الحلقة السابعة والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٢٨]، قال أهل التفسير: “وإذا أتى الكفار قبيحًا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه مما ورثوه عن آبائهم، وأنه مما أمر الله به. قل لهم -أيها الرسول-: إن الله تعالى لا يأمر عباده بقبائح الأفعال ومساوئها، أتقولون على الله -أيها المشركون- ما لا تعلمون كذبًا وافتراءً؟” !!
وقد أفاض القرآن الكريم والسنة المطهرة في بيان جُرم التَقَوُّلِ على الله تعالى؛ وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والآية -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}؛ دليل صريح على شناعة هذا الجُرم العظيم !!
وكذلك السُنة المطهرة: جعلت من التَقَوُّلِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ مُتعمِّدًا، فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ)[متفق عليه] !!
ومن الفتوحات العلمية للإمام الشوكاني رحمه الله تعالى -عند تفسير آية التأمل في هذا المقال- أنه تصدى للمقلدين المتعصبين لمذاهبهم -الذين قال قائلهم وهو أبو الحسن الكرخي: “كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ”[علم أصول الفقه لعبدالوهاب خلاف (٢٦٠)]؛ وهذا يعني أن أقوال علماء مذهبه مقدمة على النصوص الشرعية؛ عند التعارض-، أقول تصدى الإمام الشوكاني لهذا التقليد المقيت فقال: “وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر، وأبلغ واعظ، للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٣]، والقائلون: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: ٢٨]”[فتح القدير (٢٢٦/٢)] !!
هذا، وإن يك هناك زمان الحاجة فيه ماسة إلى طرح موضوع جُرم التَقَوُّلِ على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهو بلا شك هذا الزمان الذي نحن فيه؛ والذي أضحى التَقَوُّلُ فيه على الله تعالى بضاعة رائجة؛ ليس عند كثير من البشر؛ بل حتى الحاسبات الصماء؛ التي لا روح فيها؛ ولا عقل؛ ولا إحساس -كالذكاء الاصطناعي- شاركت في ذلك التَقَوُّلِ الآثم !!
وأنا لن أتعرض في مقالي إلى الذكاء الاصطناعي؛ في موضوع التَقَوُّلِ الآثم -عند سؤاله عن الموضوعات الدينية عموما؛ وعن الفتاوى على وجه الخصوص-؛ لظني أنه من النوازل التي تحتاج إلى فتوى مؤصلة ووافية من هيئة كبار العلماء !!
كما أنني لن أتحدث عن تفاصيل إجرام اليهود والنصارى في التَقَوُّلِ على الله تعالى: في عقائدهم الشركية؛ وعباداتهم التخريفية؛ وتشريعاتهم الباطلة؛ وزعمهم أنها من الله تعالى، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [الأنعام: ٢١]، قال أهل التفسير: “لا أحد أشد ظلمًا ممَّن تَقَوَّلَ الكذب على الله تعالى: فزعم أن له شركاء في العبادة؛ أو ادَّعى أن له ولدًا أو صاحبة؛ أو كذب ببراهينه وأدلته التي أيَّد بها رسله عليهم السلام” !!
إنما الذي يهمني الحديث عنه هنا: هو بيان أن التَقَوُّلَ على الله تعالى في عصرنا قد تعدى التقليد والتعصب الأعمى للمذاهب -كما بينه الإمام الشوكاني آنفا- تعداه إلى ظهور الفتاوى الشاذة والمُنكرة؛ التي تهاجم حتى الثوابت من ديننا؛ وهذا بلا شك من الكذب والتَقَوُّلِ على الله تعالى؛ وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم .. وسأكتفي ببيان مثال واحد:
حجاب المرأة أمام الرجال الأجانب -غير المحارم-؛ الذي هو واجب بأدلة الكتاب والسنة والإجماع:
خرج على الناس -قبل عامين- الداعية التونسي محمد بن حمودة بالقول أن الحجاب عُرف وعادة؛ وليس واجبا .. وهذا تَقَوُّلٌ على الله تعالى؛ لما فيه من الكذب على دين الله؛ وهدم للثوابت .. وقد ردّ عليه علماء بلده؛ فجزاهم الله خيرا، المصدر: (مقاطع فيديو؛ ومقالات عن الموضوع على الشبكة) !!
وهذا جواب الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عند سؤاله عن الحجاب: “الحجاب الشرعي هو أن تحجب المرأة كل بدنها عن الرجال: الرأس والوجه والصدر والرجل واليد؛ لأنها كلها عورة بالنسبة للرجل غير المحرم؛ لقول الله جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٣]” [مجموع فتاوى ابن باز (٢٠/٦)] !!
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي لم أرهما بعد، نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ، على رؤوسِهن مثلُ أسنمةِ البختِ، لا يدخلن الجنةَ ولا يجدن ريحَها ..) الحديث [رواه مسلم (٢١٢٨)] !!
وفي كتاب ابن القيم العظيم: (إعلام الموقعين عن رب العالمين)؛ عظّم رحمه الله من شأن المفتين؛ فوصفهم بالموقعين عن الله تعالى، فأين المتَقَوِّلُون على الله تعالى من هذا المعنى العظيم ؟!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وأبان لنا فيه جُرم التَقَوُّلِ على الله تعالى؛ وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..