التأمل المفيد (٤٠٢)

الحلقة الثالثة والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [القصص: ٤٩] !!

القرآن الكريم كتاب حُجج وأدلة وبراهين عظيمة؛ ينقاد ويذعن لها كل صاحب عقل سليم من الهوى؛ بعيد عن اتِّباع الشُبه والشهوات .. وهي حُجج يمتلئ بها قلب المؤمن إيمانا بالله العظيم؛ إذا ما تأملها بحضور قلب؛ وإصغاء سمع، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: ٣٧] !!

والآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}؛ حُجة من الحُجج العظيمة والمدهشة؛ التي طرحها القرآن الكريم على الكافرين؛ بأن يأتوا بكتاب من عند الله تعالى -ولن يقدروا- هو أقوم من التوراة -قبل تحريفها- ومن القرآن الكريم؛ حتى يتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم .. فتحيَّروا ولم يعد لهم حُجة، كما قال تعالى عن أمثالهم: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ٢٥٨] !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

هل هذه الحُجج القرآنية العظيمة تخاطب المكذبين فقط ؟

الجواب:

 مع إدراكنا بأنه لا خلاف بين الدعاة بأهمية الحديث عن حُجج القرآن لغير المسلمين؛ إلا أننا ندرك كذلك أن الأمر المُشكِل هو في عدم الحديث عن هذه الحُجج والبراهين لعامة المسلمين؛ ممّا زاد من ظاهرة ضعف الإيمان المنتشرة في مجتمعاتنا، إذ من المهم جدا أن يرتقي المسلم بإيمانه حتى يندفع إلى عمل الصالحات؛ وترك المنكرات؛ قبل أن يأتيه الموت فجأة، قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ • لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون : ٩٩-١٠٠] !!

وفي آية من آيات سورة الأنعام؛ خاطب الله تعالى صنفين من الناس؛ محذرا إياهما من التقصير في الإيمان به؛ ومن التقصير في عمل الخير؛ قبل فوات الأوان، قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ}[الأنعام: ١٥٨]؛ فقد خاطب الله تعالى في الآية الكريمة غير المؤمنين فقال: {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ} .. وخاطب كذلك المؤمنين فقال: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} !!

عليه، فإنني سأعرِض في هذا المقال لحجتين فقط من بين الحُجج القرآنية الكثيرة التي حجّ الله تعالى بها المكذبين؛ علّنا نزداد بتأملها إيمانا في قلوبنا؛ وصلاحا في نياتنا وأعمالنا، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: ٢]، فأقول وبالله التوفيق:

الحُجة الأولى:

سؤال  تعالى للمشركين قديما وحديثا: هل هناك إله غير الله تعالى ينزل الغيث؛ وينبت الزرع ؟!

تنزَّه الله تعالى وتقدَّس عن شرك هؤلاء المشركين !!

قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: ٦٠] !!

ولو تأملنا في الآية الكريمة؛ عن نزول المطر فقط؛ لزاد ذلك في إيماننا .. تتحدث الإحصاءات أنه لو نزل ما منسوبه: (٢،٥ سم) من المطر على مساحة: (٤٢٠٠ متر مربع؛ أي فدان واحد) لكان وزن ذلك (١١٣ طنا من الماء) .. فكم عساه كان وزن المطر حين ارتفع منسوب الأمطار في إعصار (ملتون) الماضي؛ في بعض مناطق ولاية فلوريدا إلى: (٣٠ سم) لمدة ٢٤ ساعة؛ على مساحات شاسعة؟! لا شك أنه كان بمئات المليارات من الأطنان !!

الحُجة الثانية:

سؤال الله تعالى للمشركين قديما وحديثا: هل خَلَقَ شركاؤكم شيئا من الأرض؛ أم هل لهم شراكة مع الله في خلق السماوات ؟!

 تنزَّه الله تعالى وتقدَّس عن شرك هؤلاء المشركين !!

قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [فاطر: ٤٠] !!

ولو تأملنا في الآية الكريمة؛ عن السماء فقط؛ لزاد ذلك في إيماننا .. يقول علماء الفلك في هذا العصر: السماء تحوي مئات المليارات من المجرات؛ ومئات التريليونات من النجوم؛ وأن أكبر نجم في السماء؛ أكبر من شمسنا بخمسة مليارات مرة !!

وحين يتأمل المؤمن في الحديث القدسي؛ يقول ربنا تعالى لآخِر من يدخل الجنة: (اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا) [متفق عليه]؛ ويتأمل في وسع الجنة؛ قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣]؛ مع إدراكه في نفس الوقت وسع السماوات بمجراتها المليارية ونجومها التريليونية؛ عندها يستوعب أن عشرة أضعاف كوكب الأرض شيئا لا يُذكر بجانب جنة عرضها السماوات والأرض .. اللهم نسألك الفردوس الأعلى يا كريم !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه حُججه الظاهرة؛ وبراهينه الساطعة !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..