التأمل المفيد (٤٠١)

الحلقة الثانية والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: ٥٩] !!

الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- تشير إلى أمر فِطري في الإنسان؛ وهو بلوغ الأطفال سِن التكليف .. سُئِل الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- عنه فقال: “سِن التكليف خمسة عشر، إذا أكمل الرجل، أو المرأة خمسة عشر سنة فقد دخل في التكليف” [فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن باز (٧/٦)] !!

ممّا دعاني إلى كتابة هذا المقال؛ هو تسليط الضوء على محاسن الإسلام؛ في هذا الأمر المِفصلي الذي يمر به كل إنسان: ألا وهو “البلوغ”؛ واختلاف التشريعات الإسلامية الربانية له عن سائر تشريعات الحضارات المادية -القاصرة الجاهلة- سواء من ناحية: زمن التكليف؛ أو أنواع التكاليف المأمور بها !!

بداية أقول: إن الله تعالى -الخالق العليم الحكيم- هو الذي جعل من بلوغ الإنسان؛ مرحلة تحمّل التكاليف الربانية الحكيمة؛ التي تراعي فِطرة الإنسان، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] !!

وأمّا مُعظم الحضارات المادية فقد اختارت سِن الثامنة عشرة -وهي سِن غالبا ما تكون بعد البلوغ بسنوات- ليكون سِن التكليف، ليس فقط لاستصدار بطاقة الهوية؛ أو رخصة القيادة؛ أو ما شابه ذلك ممّا يحتاجه الناس للاندماج مع الحياة الوظيفية والمعيشية في المجتمع؛ فهذا أمر مقبول ولا غرابة فيه، وإنما الغريب هو تحديده ليكون سِن التكليف لتبني تشريعات منهج بشري مُدمِّر للحياة -كما سيأتي بيانه- ليس له صلة بالتكاليف الربانية التي شرعها الله تعالى عند بلوغ الإنسان !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما سبب إعراض الحضارات المادية عن تبني مرحلة التكليف ليكون مع بلوغ الإنسان؛ كما في الإسلام ؟

الجواب:

يعتري أطفال الحضارات المادية عند البلوغ فورة وفوضى جنسية عارمة -نتيجة التبرج والسفور والاختلاط الذي تبنته مجتمعاتهم كنمط للحياة-، حيث عاثت تلك الحرية البهيمية في مشاعر أطفالهم فسادا -خاصة وهم حديثو عهد بالشهوة الجنسية-، ثم لم يجد شياطينهم من أرباب الفكر في الجامعات -من المتخصصين في الدراسات النفسية- مبررا لهذه الفورة والفوضى الجنسية العارمة؛ إلا اختلاق مصطلح أسموه: “سِن المراهقة” “Adolescence”، وهو اختيار مقصود بخبث؛ حيث يوحي بأنه لا مناص من هذه الفوضى الجنسية عند البلوغ؛ بدلا من الاعتراف بخطر النمط البهيمي لحياتهم !!

وقد أرعب مصطلح (المراهقة) الأُسر في تلك المجتمعات؛ حين يقترب أطفالهم من مرحلة البلوغ؛ إذ لا أمل في منع السفور والاختلاط، وكيف يمنعونه وهم يتفاخرون به؛ ويرونه مظهر تقدمهم -زعموا- !؟ أقول يرعبهم مصطلح (المراهقة) لِما يتوقعونه من تمرد ومشاكل من أبنائهم في هذه المرحلة !!

وبالرغم من إقرارهم بخطأ وخطر العلاقات المحرمة؛ وشرب الخمور؛ ودخول الكازينوهات للعب الميسر والقمار -حتى أنهم منعوها عمّن بلغ من صغارهم-؛ فإن أجرم ما اقترفوه في حق شبابهم وشاباتهم هو تقنين سِن الثامنة عشرة ليكون ميقاتا للسماح بارتكاب كل تلك الموبقات، وكأن ذلك السِن بات معلما بارزا في رحلة إفساد حياتهم .. لكنهم قوم لا يعقلون !!

أمّا في دين الإسلام العظيم؛ فقد شرع الله تعالى للأطفال -قبل سِن البلوغ- تشريعات تعين على استقبال تلك الفترة بأمن وسلام نفسي؛ خالية من الفوضى الجنسية التي تعتري أمثالهم في حضارات التفسخ والانحلال، من ذلك:

وجّه صلى الله عليه وسلم بأمر الأطفال قبل سِن البلوغ بالصلاة -حتى يعتادوا على أدائها-؛ وبالتفريق بين البنين والبنات في المضاجع، قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءَكم بالصلاةِ لسبع، واضرِبوهم عليها لعشر، وفرقوا بينَهم في المضاجعِ) [صححه الألباني في إرواء الغليل (٢٤٧)] !!

كذلك شرع الله تعالى للصغار قبل سِن البلوغ الاستئذان -للدخول على الرجل وأهله- في ثلاثة أوقات خلال اليوم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النور: ٥٨]؛ حِفاظا على الأطفال من رؤية العورات !!

أمّا عند البلوغ؛ فقد صرحت الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- بالاستئذان في الدخول في كل الأوقات؛ كما يستأذن الكبار، قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}, وهو عكس ما تعيشه مجتمعات الحرية البهيمية من تبرج واختلاط محرم !!

كما يُناط بالمكلف الجديد بعد بلوغه تكاليف ربانية عظيمة: كالصلوات الخمس، وصوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة، وسائر التكاليف التي تقوي صلته بربه تعالى؛ وتُرسِّخ في نفسه معاني الخير والفضيلة !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وشرع فيه للمسلم آداب الاستئذان للدخول على الرجل وأهله -قبل مرحلة البلوغ؛ وبعدها- ترسخ فيه قيم الفضيلة والعفاف !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..*

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..