الحلقة الثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧]،قال أهل التفسير: “مَن عمل عملا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى، وهو مؤمن بالله ورسوله، فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة، ولو كان قليل المال، ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا” !!
من الطامات والمصائب الكبرى في هذا العصر أن وضع أرباب الحضارات المادي قصص ة -المتمردون على خالقهم العظيم- معايير ومقاييس للسعادة في مجتمعاتهم؛ تتنافس عليها دولهم -بمنأى عن المعايير الربانية للسعادة؛ كما سيأتي بيانه-، وقد حازت فنلندا على المركز الأول للعام ٢٠٢٤ من الميلاد، لتكون بذلك -كما يزعمون- أسعد دول العالم !!
في مقال بعنوان:
(Why is Finland the happiest country in the world for the 7th time ?)
(لماذا تعد فنلندا أسعد دولة في العالم للمرة السابعة ؟) .. جاء فيه:
“إن الأساس الذي يرتكز عليه احتلال فنلندا للمركز الأول في السعادة يرجع إلى المستويات العالية من الثقة والحرية في مجتمعها؛ والتي أظهرت الأبحاث أنها تساهم في الرفاهية والإنتاجية” !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
من وراء تقرير السعاة العالمي:
(World Happiness Report) ؟!
الجواب:
“تقرير السعادة العالمي هو شراكة بين: جالوب؛ ومركز أبحاث الرفاهية في أكسفورد؛ وشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة؛ ومجلس تحرير تقرير السعادة العالمي”، المصدر:”
(World Happiness Report 2024)
وإن تعجب فعجب تصنيفهم دولة الكيان المحتل -اليهود؛ الذين وصمهم الله تعالى بأنهم يسعون في الأرض فسادا- في المركز الخامس في تقرير السعادة العالمي لعام ٢٠٢٤ من الميلاد، وفيما يلي قائمة بأسعد عشر دول -زعموا- تتصدرهم فنلندا:
(١) فنلندا
(٢) الدنمارك
(٣) أيسلندا
(٤) السويد
(٥) إسرائيل
(٦) هولندا
(٧) النرويج
(٨) لوكسمبورج
(٩) سويسرا
(١٠) أستراليا
المصدر:
.(Happiness Report 2024)
وإذا كانت دولة فنلندا قد حصدت المركز الأول في تقرير السعادة العالمي لأسباب اتخذوها؛ حتى صارت دولة منتجة -والاقتصاد له معيارية قصوى في ثقافة الحضارات المادية- فإن الله تعالى يقول: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ • أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٥-١٦]، قال قتادة في تفسير الآيتين: “من كانت الدنيا همَّه وطَلِبته ونيّته؛ جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة، وليس له حسنة يعطى بها جزاءً. وأما المؤمن، فيجازى بحسناته في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة”[تفسير الطبري. (15/ 264)] !!
ومن عدل الله تعالى أنه لن يبخس الكافرين ما عملوه من أعمال صالحة، فهو سبحانه يجازيهم بها في الدنيا؛ كما جاء في الحديث الصحيح عند مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها) [صحيح مسلم (٢٨٠٨)] !!
ومن أحقر وأحط ما قرروه ضمن قائمة معايير السعادة في مجتمعاتهم: الحرية البهيمية؛ التي بسببها استحلوا حرمات الله تعالى؛ كالعلاقات المحرمة والشذوذ، قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: ١١٦] !!
ومن التناقض الفج في دولة فنلندا السعيدة -زعموا- أن بلغت أعداد المنتحرين فيها في عام ٢٠٢٢ من الميلاد (٢٩٤) منتحرا للفئة العمرية (٤٠ إلى ٤٦ سنة)، فضلا عن (٤١٨) منتحرا لباقي الفئات العمرية؛ في دولة تعداد سكانها لا يتجاوز خمسة مليون ونصف فقط .. فيالها من سعادة قاتلة ! المصدر:
(Number of suicides in Finland 2012 – 2022 by age group – Statistics)
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه:
ما هي معايير ومقاييس الحياة الطيبة -السعادة- للأفراد والمجتمعات؛ في دين رب العالمين ؟!
الجواب:
في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ بيّن سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله تعالى؛ وعمل الصالحات -من العبادات والتعاملات التي جاء بها الشرع الحكيم-؛ هما الضامنان للحياة الطيبة؛ ليس فقط في الحياة الدنيا؛ بل وفي الآخرة !!
وقد جاء في كتاب الله تعالى آيات عن السعادة في الدارين؛ وكذلك آيات عن الشقاء فيهما:
فأمّا عن السعادة في الدارين:
قال تعالى: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} [آل عمران: ١٤٨] !!
وقال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء: ١٣٤] !!
وأمّا عن الشقاء في الدارين:
قال تعالى: {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} [الرعد: ٣٤] !!
وقال تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [هود: ٦٠] !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه معايير الحياة الطيبة في هذه الدنيا وفي الآخرة !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..