الحلقة الخامسة والسبعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: ٢٤] !!
الأعاصير:
ينقسم الناس عند سماع الريح إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
المؤمنون: يقفون الموقف الصحيح -ليس عند سماع صوت الريح فقط؛ بل حتى عند تشكُّل سحابة في السماء- كما كان يفعل رسولهم صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا رأَى مَخيلةً -أي سحابة- تلوَّن وجهُه وتغيَّر ودخل وخرج وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سُرِّي عنه قال فذكرتْ له عائشةُ بعضَ ما رأت منه فقال وما يُدريك لعلَّه كما قال قومُ هودٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}) [رواه البخاري (٣٢٠٦)] .. إنها عبادة الله تعالى بالحب والخوف والرجاء؛ التي يصرفها المؤمنون له وحده سبحانه في كافة أحوالهم !!
القسم الثاني:
كفار القرون الغابرة: يلجأون بالدعاء الخالص لله تعالى عند الشدائد -بالرغم من شركهم-، قال تعالى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأنعام: ٦٣] !!
وأمّا حالهم عند الرخاء؛ فهو كما قال الله تعالى عنهم في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}، لسان حالهم يقول: هو سحاب ممطر، قال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} !!
القسم الثالث:
كافة إعلام الحضارة المادية المعاصرة؛ الذين لا يعرفون الله تعالى؛ لا في حال الرخاء؛ ولا في حال الشدة -وخصّصّتُ الإعلام هنا دون التعميم على الجميع؛ لأنه قد يكون من الأفراد من يلجأ بالدعاء الخالص لله تعالى عند الشدة: كما كان يفعل كفار قريش-، أقول إعلام الحضارة المادية الذين ينشرون على شاشاتهم الصور الحقيقية والمروعة لهذه الأعاصير -التي أنشأها الله تعالى- ثم يزعمون أنها من قدرة أمهم الطبيعة (Mother Nature) .. قاتلهم الله أنى يؤفكون !!
ولأنه قد ضرب بعض الولايات الأمريكية -خلال الأسبوعين الماضيين- إعصاران عاتيان هما إعصارا: (هيلين وملتون) .. أصابت -بقدر من الله تعالى- مدن تلك الولايات بدمار كبير؛ وقتلت المئات من الأشخاص؛ ومئات لا يزالوا في عداد المفقودين .. وإن كان أعداد القتلى والمفقودين الكبيرة من أثر الإعصار الأول (هيلين)، وسأقف مع هذا الحدث وقفتين، فأقول وبالله التوفيق:
الوقفة الأولى:
استعدادات مجتمعات الحضارة المادية لمواجهة الأعاصير؛ هل تُجدي ؟
لديهم تقدُّم في علم المناخ غير مسبوق؛ ومتابعة لتشكُّل ومسار هذه الأعاصير مُبهِر؛ يرونه على شاشات الرادارات -وهذه العلوم المادية فتحها الله عليهم؛ بفضل ما خلق لهم من عقول؛ ثم لاتخاذهم الأسباب-، وتم إخلاء الملايين من السكان من مواقع الخطر؛ للحفاظ على سلامتهم .. وإذا ما وصل الإعصار -بقدرة الله تعالى- إلى مكان هبوطه دمر كل شيء، قال تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: ٢٥] !!
إن جميع الاستعدادات التي يتخذونها لمواجهة الأعاصير لا تخرج عن كونها “إطفاء للحريق”، وهو مصطلح اتفق عليه أهل الإدارة؛ إذا كانت حلول المشاكل سطحية؛ وليست جذرية “استراتيجية” لتفادي الحريق من أساسه !!
ولقد بين الله تعالى لنا الحل الجذري لتفادي الأعاصير وغيرها من ألوان عذابه، إذ بعد ذِكر هلاك عاد وغيرها من الأمم المكذبة، قال تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ • مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات : ٤١-٤٢]؛ قال تعالى بعدها: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: ٥٠] !!
عليه .. فإن الأمر العظيم والجلل الذي يحتاجون إليه -بالإضافة إلى الاستعدادات- هو الفرار إلى الله تعالى؛ ومعرفته سبحانه؛ بأسمائه الحسنى وصفاته العليا .. وهي المعرفة التي بنى عليها المسلمون توحيد الألوهية؛ فانقادوا لله تعالى العظيم ظاهرا وباطنا؛ فأمّنهم سبحانه من العذاب في الدنيا والآخرة !!
الوقفة الثانية:
*لا يبعد أن يكون ما أصابهم انتقاما من الله تعالى لأهل غزة؛ بسبب حرب الإبادة التي يشنها الظالمون؛ على المستضعفين؛ من العجزة من الرجال والنساء والصغار:
لقد حذر الله تعالى في كتابه الكريم بأن عذابه الأليم سينال الظالمين أينما كانوا، قال تعالى: {مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٣]، فكيف بعذاب من يقول من المتغطرسين من غير المسلمين -في عصرنا- قريبا من قول عاد: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ} [فصلت: ١٥]، فأرسل عليهم سبحانه ريحا صرصرا ؟؟!!
والأدهى من ذلك قول عمدة مدينة (فورت ماير) التي ضربها الإعصار في فلوريدا؛ واسمه (Kevin B. Anderson) -وذلك بعد مرور يوم فقط على الإعصار-: “نحن أقوياء، نحن متماسكون، وسننهض من جديد” .. لا أثر للخوف من الله تعالى عند هؤلاء القوم .. حقا إنهم قوم لا يعقلون !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ ودعانا فيه إلى عبادته سبحانه بالحب والخوف والرجاء !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..