التأمل المفيد (٣٩٢)

الحلقة الثالثة والسبعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

 قال الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ٧٥] !!

لم تدرك مجتمعات الحضارة المادية؛ الآثار السلبية العظيمة؛ والعواقب الكارثية الوخيمة عليهم -بسبب تحريف اليهود والنصارى لكلام الله المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام- كما أدركته في هذا العصر .. إذ كان أتباع الديانتين في القرون الغابرة ينهجون في حياتهم نهجا أملاه عليهم رجال الدين المتسلطون، لدرجة أن طال القتل أو السجن كل من تجرأ من الأتباع على رفض أو نقض تعاليم الكنيسة .. سجن العالم الإيطالي الفلكي جاليليو مثالا !!

لن أستعرض في المقال ما قام به علماء الإسلام من بيان التحريف الذي وقع للتوراة والإنجيل؛ ككتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)؛ وكذلك كتاب عالم الهند العلّامة رحمت الله الهندي: (إظهار الحق) !!

لكنني سأطرح موضوع التحريف؛ من خلال دراسة قام بها علماء ما يسمى بالعلوم الإنسانية من رجالات الفكر في الحضارة المادية الغربية .. عنوان هذه الدراسة: (Some Reasons Why Humanists Reject The Bible) (‏بعض الأسباب التي تجعل علماء العلوم الإنسانية يرفضون الكتاب المقدس)، حيث أثبتوا أنه من المستحيل أن يكون هذا كلام إله -يدّعون له الكمال- لكثرة ما فيه من تناقضات ذات آثار سلبية؛ وعواقب كارثية على مجتمعاتهم لقرون كثيرة؛ ولا يزال !!

وأجزم أن علماء العلوم الإنسانية بدأوا بإدراك التحريف في كتبهم -التوراة والإنجيل- حين أخذت مجتمعاتهم من الحضارة الإسلامية العظيمة -بعد الثورة الفرنسية ثم الثورة الصناعية- أدوات نهضة المسلمين في كافة العلوم -وخاصة العلم التجريبي؛ الذي أتقنه المسلمون في علوم المادة- فظهرت لهم نتائج مغايرة لِما كان موجودا في التوراة والإنجيل -كما سيأتي بيانه من اقتباسات من هذه الدراسة-، وصدق الله القائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: ٥٣] !!

نعم .. لقد تحقق وعد الله؛ ورأوا آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق؛ فاقتربوا خطوة نحو الحق بإبطال ما جاء في التوراة والإنجيل من تناقضات، وبقيت لهم خطوة أخرى؛ هي مقارنة كتبهم المحرفة بالقرآن الكريم -كما فعل العالم المسلم موريس بوكاي في كتابه: (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم)-؛ علّهم يهتدون !!

وفيما يلي اقتباسات لبعض ما أورده علماء ما يسمى بالعلوم الإنسانية؛ في دراستهم عن الآثار السلبية الوخيمة لتحريف التوراة والإنجيل:

الاقتباس الأول من الدراسة؛ عن نقدهم لِما جاء في العهد القديم من قسوة وبربرية؛ ومنها قتل حتى الرُضّع في الحروب:

قالوا: “في سفر صموئيل الأول 15: 3، يعطي النبي صموئيل الملك شاول هذه الوصية من الرب: “الآن اذهب واضرب عماليق وحرم كل ما لهم ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جمالاً وحمارًا” !!

أقول: وهذا عين ما يحصل في غزة هذه الأيام؛ من إبادة جماعية .. وهو ما يقع دائما من الكفار في قتالهم لغيرهم .. أمّا في الإسلام العظيم؛ فهناك قواعد اشتباك؛ رسمها صلى الله عليه وسلم للمسلمين؛ تعكس رحمة الإسلام حتى في القتال، قال صلى الله عليه وسلم: (اغزُوا بِسمِ اللهِ وفي سبيلِ اللهِ فقاتِلوا مَن كفَر باللهِ لا تغُلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمثِّلوا ولا تقتُلوا وليدًا ولا امرأةً ولا شيخًا) [رواه مسلم (١٧٣١)] !!

الاقتباس الثاني من الدراسة؛ عن نقدهم لِما جاء في الإنجيل من منح عيسى – وحاشاه عليه السلام- أتباعه خصائص -لا يقدر عليها إلا الله- ثم بينوا زيف هذه النبوءة التي لم تتحقق:

قالوا: “وهناك نبوءة كاذبة أخرى مهمة في يوحنا 14: 13-14. حيث يعد يسوع: “كل ما تطلبون باسمي أفعله، ليتمجد الآب في الابن. إن طلبتم أي شيء باسمي، فإني أفعله”. يعلم الجميع أن هناك ملايين الحالات التي فشل فيها يسوع في الاستجابة للمسيحيين الذين طلبوا أشياء باسمه. والمقابر مليئة بالناس الذين صلوا إليه من أجل الصحة” !!

أقول: الله تعالى هو وحده من يضر وينفع، قال تعالى: {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [يونس: ٤٩] !!

الاقتباس الثالث من الدراسة؛ وهو مقتبس من خاتمة الدراسة التي جاء فيها:

قالوا: “بمعاملة هذا الكتاب المليء بالأخطاء؛ بأنه كلمة الله؛ تم دفع البشرية إلى العديد من مسارات الخطأ والبؤس عبر التاريخ. وفي كثير من النواحي، لا يزال الكتاب المقدس ينتج مثل هذه النتائج” !!

أقول: هذا الكلام صحيح من وجه وناقص من وجه آخر .. صحيح من جهة أن مجتمعاتهم ضلت وفسدت؛ بل وأشركت بسبب تعاليم رجال الدين المتسلطين؛ وكتبهم المحرفة .. لكنه ناقص حين لم يبينوا في دراستهم الفساد الذي لم تَرَ البشرية مثله -في هذا العصر- حين نبذوا الدين الحق -الإسلام- وعبدوا المادة؛ وانسلخوا من بقايا أخلاق كانت مسطرة في كتبهم المحرفة؛ لينغمسوا في حرية بهيمية !!

ويبقى أن أقول إن هذه الدراسة؛ رغم إثباتها لتحريف التوراة والإنجيل؛ وأن فيهما المئات من التناقضات؛ إلا أن فيها كثير من الكفر والإلحاد؛ أعظمه نفيهم لوجود الله تعالى؛ وكذلك إيمانهم بالنظرية الدارونية !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ ووعدنا فيه بحفظ القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..