الحلقة السبعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: ١٠]، قال أهل التفسير: “والسابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الآخرة، أولئك هم المقربون عند الله، يُدْخلهم ربهم في جنات النعيم” !!
إن المتأمل في النصوص الشرعية؛ يدرك أن هناك سببا جوهريا أدى إلى الانهيار المتسارع للقيم في مجتمعات الحضارة المادية، هو:
أن الأديان المحرّفة منحت رجال الدين -كالكهنة في دين النصارى- خصائص ومزايا ومكانة؛ جعلت منهم الفئة المتميزة والمتسيدة على باقي الأتباع .. في حين تساوى في دين الإسلام كل أتباعه، فليس ثمة رجال دين في الإسلام يتميزون عن باقي المسلمين .. الصحابة رضوان الله عليهم لم يتميزوا عنا أهل هذا العصر بخصائص في العبادة أو التعامل، بل جاءت النصوص الشرعية تحث على التنافس معهم رضوان الله عليهم -كما سيأتي بيانه- لنكون من السابقين كما بينت الآية -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} !!
هذا الفرق الجوهري -الذي أشرت إليه آنفا؛ بين الإسلام وبين الأديان المحرّفة- جعل القيم الصحيحة في المجتمع الإسلامي حية بين المسلمين -العلماء والعامة سواء- يتسابقون على التمسك بها في كل زمان .. ثم لكون هذه القيم مواكبة للفطرة السوية؛ صار انتشارها سريعا في المجتمعات، ولذا تنبأ صلى الله عليه وسلم بظهور الإسلام في كافة أرجاء الأرض: (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣)] !!
كما أن هذا الفرق نفسه كان سببا في تهدم القيم واضمحلالها في المجتمعات المادية؛ التي ميزت رجال الدين بخصائص -ما أنزل الله بها من سلطان-؛ أذهبت روح التنافس بين أتباع المِلة الواحدة؛ وازداد بذلك طغيان رجال الدين؛ وهبط الأتباع إلى أسفل سافلين !!
ومع إدراكنا أن للصحابة رضوان الله عليهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة -بسبب صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ كما بيّن ذلك العلماء- إلا أننا نطمع أن نحظى بالتنافس معهم فيما حثت عليه النصوص الشرعية من قضايا التنافس، من ذلك:
القضية الأولى:
يحدونا الأمل في أن نكون من المقربين السابقين في الآخرة؛ كالصحابة رضوان الله عليهم:
قال تعالى: {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ • وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: ١٣-١٤]، قال أهل التفسير: “يدخلها جماعة كثيرة من صدر هذه الأمة، وغيرهم من الأمم الأخرى، وقليل من آخر هذه الأمة” !!
كم يتمنى المسلم -كلما قرأ هذه الآية الكريمة: {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ • وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ}-؛ أن يكون ضمن الثلة القليلة؛ التي شابهت تلك الثلة الكثيرة من المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم ؟!!
والحمد لله .. فقد دلت النصوص الشرعية أن طاعة الله تعالى؛ وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ تضمن لنا أن نكون رفقاء المنعم عليهم من النبيين -عليهم الصلاة والسلام- والصديقين والشهداء والصالحين؛ وحسن أولئك رفيقا !!
وقد كان التابعي أبو مسلم الخولاني رحمه الله تعالى عالي الهمة؛ شديد المنافسة على الخير؛ حتى قال: “أتظنُّ الصحابةَ أن يستأثروا بمحمد دوننا؟ والله لأزاحمنّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلّفوا رجالاً” [التبصرة لابن الجوزي (1/500)] !!
القضية الثانية:
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- حَمَلَة لقضية الإسلام؛ ونحن نرجو أن نكون كذلك:
دعونا -من خلال الحديث الشريف التالي- ننظر كيف رسّخ صلى الله عليه وسلم حمْل قضية الإسلام في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم !!
بعد أن بلّغ أبو هريرة -رضي الله عنه- قولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الفاروق رضي الله عنه، قال عمر : “يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشِره بالجنة؟”، قال: (نعم)، قال: “فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون” [رواه مسلم (31)] !!
كان عمر رضي الله عنه يحمل قضية الإسلام حقا وصدقا؛ فقال ما قال .. كما علِم صلى الله عليه وسلم صِدق نُصح عمر في قوله: “فإني أخشى أن يتكل الناس فخلهم يعملون”، فوافقه صلى الله عليه وسلم على رأيه، ولم يقل -وحاشاه أن يقول-: أنا الرسول، وأنا صاحب الرسالة فكيف تقول لا تفعل ؟! .. وبهذه الموافقة رَسَخَ في نفس الفاروق حمْل قضية الإسلام !!
وما أكثر المواقف التي رسّخ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم قضية حمْل الإسلام في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم !!
فدعونا نجعل الإسلام قضيتنا الكبرى؛ بتعلّمه؛ ونشره؛ والدفاع عنه؛ وبيان محاسنه !!
القضية الثالثة:
الطمع في أجور تبلغ خمسين ضعفا؛ من أجور الصحابة رضوان الله عليهم:
قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ ورائِكُم زمانُ صبرٍ، لِلْمُتَمَسِّكِ فيه أجرُ خمسينَ شهيدًا منكم) [صححه الألباني في صحيح الجامع (2234)]، قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: “أخبر صلى الله عليه وسلم أن الصابر على دينه في آخر الزمان كالقابض على الجمرة، وأن الذي يدعو إلى الله في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة، وما ذلك إلا لقلة الأعوان وكثرة الشرور والفساد، وعلى الدعاة إلى الله أن يصبروا، وعلى العلماء أن يصبروا؛ حتى يظهر دين الله وينتصر الحق؛ وحتى يفهم الناس دين الله؛ وحتى ينيبوا إليه” [مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (13/ 137)] !!
يا له من تحفيز للأجور عظيم؛ من كلام من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي ساوى الله تعالى فيه بين الناس؛ مع دفعهم للتنافس على مرضاته سبحانه !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..