الحلقة الثامنة والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: ٤٠] !!
وصف الله تعالى الكافرين بأوصاف عدة؛ منها أنهم شر البرية؛ ومنها أنهم أضل من الأنعام؛ وغير ذلك كثير من الأوصاف القبيحة المشينة !!
غير أن وصفا واحدا: “الإلحاد”؛ الذي ورد في الآية -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- والذي هو من أقبح وأشنع الأوصاف التي دمغ الله بها جميع الكافرين -سواء كانوا يهودا أو نصارى؛ أو غيرهم من الكفار؛ أو كانوا ممن لا يؤمن بوجود إله-، أقول وصْفُ “الإلحاد” هذا؛ اقتصر البعض في إطلاقه على من جحد وجود الإله بالكلية؛ ولم يطلقه على جميع ملل الكفر؛ كما هو مراد الله تعالى !!
وأعلم أن هذا البعض قد يستغرب من إطلاق هذا الوصف -ملحد- على كل كافر؛ حتى لو كان من أهل الكتاب، ولذلك فإنني أسوق هنا جواب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على سؤال -وَرَدَه في موضوع الإلحاد-:
ما معنى كلمة الإلحاد؟ وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلماً، أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني ؟
فأجاب الشيخ:
“كلمة الإلحاد لها معنى لغوي ولها معنى عُرفي، أما معناها اللغوي: فهو الميل عن طاعة الله سبحانه وتعالى بمعصيته إما بترك الواجب وإما بمحرم لقوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥]. وعلى هذا فكل عاصٍ لله سبحانه وتعالى يكون ملحداً. ولكن الإلحاد ينقسم إلى قسمين: قسم مخرج عن الملة وهو ما أوجب الكفر، وقسم لا يخرج من الملة وهو ما أوجب الفسوق. وأما المعنى العُرفي: فالمعنى العرفي أن الإلحاد هو إنكار الألوهية؛ يعني إنكار وجود الله والعياذ بالله، أو ارتداد المسلم. هذا هو الذي أعرفه من معنى الإلحاد في العُرف. وعلى هذا فاليهود والنصارى في العُرف لا يعتبرون ملحدين، ولكن هذا العُرف ليس بصحيح؛ لأن العُرف إذا خالف الشرع وجب إلقاؤه وصرفه. الصواب أن كل من خالف الإسلام ولم يكن مسلماً فهو ملحد، سواء انتسب إلى دين أم لم ينتسب، وسواء أقر بوجود الخالق أم لم يقر به. فكل من كان كافراً كفراً أصلياً أو كان مرتداً فإنه يكون ملحداً”، انتهى جوابه رحمه الله، المصدر: [كتاب فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين (٤/٢)] !!
إن معرفة المعنى الصحيح للإلحاد من آية سورة الحج؛ التي أوردها الشيخ رحمه الله، قال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥]؛ وأنه: الميل عن طاعة الله بمعصيته؛ وأنه حتى المسلم قد يلحد إلحاداً أصغر لو مال عن الحق بمعصية؛ ويلحد إلحاداً أكبر -مخرجا عن الملة- لو ارتد عن الإسلام، أقول إن معرفة كل ذلك هو الذي يجعلنا ندرك دخول جميع الكفار -حتى من يؤمن بوجود إله كاليهود والنصارى- في معنى كونهم ملحدين إلحاداً أكبر؛ لتمردهم عن الاستسلام لله العظيم؛ وعن اتِّباع منهجه القويم !!
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الأمور التي يكون فيها إلحاد اليهود والنصارى وغيرهم من جميع مِلل الكفر ؟
الجواب: إلحادهم يكون في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الإلحاد في القرآن الكريم:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: ٤٠]، قال أهل التفسير: “إن الذين يميلون عن الحق، فيكفرون بالقرآن ويحرفونه، لا يَخْفَون علينا، بل نحن مُطَّلعون عليهم” !!
إن إلحاد مجتمعات الحضارات المادية بيّن وظاهر، حيث كفروا بالقرآن الكريم؛ ومالوا عن الحق الذي جاء به خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ وتبنوا الباطل ممّا يشرّعه لهم البشر، وقد أوردهم هذا الإلحاد المهالك في هذه الدنيا؛ ولهم عذاب أليم يوم القيامة !!
الأمر الثاني: الإلحاد في أسماء الله تعالى الحسنى:
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: ١٨٠]، قال أهل التفسير: “ولله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى، الدالة على كمال عظمته، وكل أسمائه حسن، فاطلبوا منه بأسمائه ما تريدون، واتركوا الذين يُغيِّرون في أسمائه بالزيادة أو النقصان أو التحريف، كأن يُسمَّى بها من لا يستحقها، كتسمية المشركين بها آلهتهم، أو أن يجعل لها معنى لم يُردْه الله ولا رسوله” !!
وسأقتصر على الحديث هنا عن النصارى؛ وعن بعض أسماء الله الحسنى:
بعد إلحادهم في اسم الله: “الأحد”؛ بعبادة عيسى عليه السلام مع الله؛ نجدهم ألحدوا في اسم الله: “الحي” الذي لا يموت، فزعموا أن إلههم صُلِب ومات من أجل خطاياهم؛ ثم قام بعد موته .. ثم ألحدوا في اسم الله: “الصمد” فقصدوا غير الله؛ ممن يسمونهم “القديسين” يسألونهم ما لا يقدر عليه إلا الله، فتعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!
الأمر الثالث: الإلحاد بنكران وجود الإله بالكلية:
قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤]، قال أهل التفسير: “وقال هؤلاء المشركون: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها، لا حياة سواها؛ تكذيبا منهم بالبعث بعد الممات، وما يهلكنا إلا مرُّ الليالي والأيام وطول العمر؛ إنكارًا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم” !!
ولو أننا أضفنا وصف: “دهريون” على الملاحدة الذين ينكرون وجود الله لكان حسنا؛ حتى يسهل التفريق بينهم وبين باقي الملاحدة !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي بين لنا فيه: أنواع الإلحاد !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..