الحلقة السابعة والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ} [طه: ١٢٧] !!
الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- تحدثت عن عذاب الله تعالى للكافرين في الدنيا والآخرة !!
وقد رسخ في أذهان بعض المسلمين؛ بأن عذاب الله للكافرين في هذه الدنيا؛ ينحصر في صور محددة: إمّا بزلازل تبتلع دول الحضارات المادية؛ أو أن يطغى الماء فيُغرِق الله به جميع الكافرين؛ أو غير ذلك من أنواع عذاب الاستئصال -ولا شك أن الله تعالى قادر على كل ذلك متى شاء-، فإذا لم يفنَ الكفار بزلازل؛ ولم يطغَ عليهم الماء؛ ظن هذا البعض أن ليس هناك عذاب مسلط على الكافرين هذه الأيام !!
وأصحاب هذا الظن الخاطئ من أبناء المسلمين في ازدياد -خاصة في عصرنا الذي تقوّت فيه الحضارة المادية وتجبّرت؛ ونرى أصحابها يسرحون ويمرحون في دنياهم-، وهو ظن يعكس تصورا عقديا خاطئا عن الله تعالى -بأنه لا يعاقب الكافرين في الدنيا إلا بالمحق والاستئصال فقط-، أما غير ذلك فإنه يتركهم يعيشون حياة لا يعكر صفوها شيء؛ أو هكذا ظنوا !!
بل قد يبلغ الحال ببعض المسلمين أن يحدّث نفسه ويقول: لِم لا يعذب الله الكافرين المتجبرين هذه الأيام ؟! وما علِم أن العذاب عليهم قائم !!
لِما سبق ذِكره؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه:
ما العذاب الذي يعذب الله تعالى به الكافرين في هذه الدنيا؛ ليزداد المؤمن بهذه المعرفة تعظيما لله تعالى؛ وأنه سبحانه القاهر فوق عباده ؟!!
الجواب:
دلت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة؛ على أنواع كثيرة من العذاب الذي يسلطه الله تعالى على الكافرين في هذه الدنيا -خارج موضوع عذاب الاستئصال-، فيما يلي ذكر بعضها، فأقول وبالله التوفيق:
النوع الأول: لعْن الكافرين؛ وطردهم من رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: ٥٧] !!
ألا ما أشد عذاب الكافرين في هذه الدنيا ! هل تصورنا ماذا يعني كون الإنسان ملعونا ؟ .. هذا مثال للتقريب: من هدي الإسلام الزواج الصحيح، لكن الكافر -الذي لعنه الله- يبدأ حياته الأسرية بارتكاب الفاحشة -مستحلا ما حرم الله-؛ وهو فعل شنيع وآثم؛ من أثر لعنة الله له؛ وطرده من رحمته .. فكيف بآثار هذه اللعنة المشؤومة على باقي تعاملاته؛ مع الله تعالى؛ ومع نفسه؛ ومع الناس ؟!!
وما المعيشة الضنك التي توعدهم الله بها في الدنيا؛ إلا أثر من لعنة الله المنصبة عليهم !!
النوع الثاني: تعذيب الكافرين بالأمراض في هذه الدنيا:
قال صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) صححه الألباني [صحيح الترغيب (2187)] !!
وهذا لون آخر من ألوان العذاب النازل على مجتمعات الحضارة المادية اليوم: وهو تسليط الطواعين والأمراض عليهم، والتي لم تكن من قبل، وهي لا تزال في ازدياد لا يتوقف -خاصة الأمراض الجنسية-، وكلما سعوا لعلاجها؛ تدفق عليهم غيرها، ولا يمكن إيقافها إلا بالاستسلام لرب العالمين؛ وترك الفاحشة التي أوغلوا فيها !!
النوع الثالث: تعذيب الكافرين بالخسائر الاقتصادية:
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: ١٣٠] !!
أمر الاقتصاد بيد الله تعالى، فهو سبحانه القابض والباسط .. وإذا كان الله يبتلي المؤمنين بنقص من الأموال والأنفس والثمرات؛ ليمتحن صبرهم؛ فإنه سبحانه يعاقب الكافرين بالخسائر الاقتصادية؛ علّهم يعودوا إليه سبحانه !!
وقد يغتر بعض المسلمين بأرقام الناتج المحلي لاقتصاد دول الحضارة المادية، ويراه اقتصادا قويا، لكنه يغفل عن عقوبات الله لهم؛ والتي تسببت في الخسائر الاقتصادية الكبيرة .. ويكفي النظر إلى الخسائر السنوية بسبب الجريمة بشتى أنواعها في أمريكا التي بلغت: (٤٥٠) مليار دولار؛ كان لجرائم الاغتصاب النصيب الأكبر منها: (١٢٧) مليار دولار سنويا، المصدر: (Waht is the cost of sexual violence) !!
وإذا كانت تكلفة الجريمة داخل أمريكا بلغت (٤٥٠) مليار دولار؛ فكم هي تكلفة جرائم الحروب التي تخوضها في العالم؛ وعلى رأسها جريمة دعم الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة ؟!!
النوع الرابع: تعذيب الكافرين بالقوارع:
قال تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} [الرعد: ٣١] !!
الأعاصير هي واحدة من القوارع التي تضرب دول الحضارة المادية سنويا .. وهو بحق عذاب مخيف .. تتطاير المنازل بسببه؛ وكأنها قد شُيدت من ورق .. إعلان لحالة الطوارئ .. إنفاق المليارات على إعادة الاعمار .. لكن في النهاية يمر العذاب ولا معتبر، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦] !!
وهناك العواصف الثلجية الشديدة؛ وحرائق الغابات المخيفة؛ وغيرها من القوارع !!
وبعد .. فإني أترك للقارئ الكريم ليتأمل: أي عذاب تعيشه مجتمعات الحضارة المادية؛ إذا حرموا أنفسهم من شريعة الإسلام؛ لتحفظ لهم الضرورات الأمنيّة الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعِرض ؟!!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي بين لنا فيه أنواع عذاب الكافرين في هذه الدنيا !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..