التأمل المفيد (٣٨٤)

الحلقة الخامسة والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ .. الآية} [النحل: ٩٠] !!

كم يتألم المسلم من انبهار بعض أبناء جلدتنا بمجتمعات الحضارة المادية في موضوع العدل وتحقيقه؛ ظنا منهم أن تلك المجتمعات يسودها العدل؛ وتنعم بالمساواة بين أفراد المجتمع .. وقد كان يكفي لهؤلاء المنبهرين أن يتأملوا الانهيار الكبير في القيم؛ وارتفاع الجريمة بأرقام مخيفة هناك؛ ليدركوا استحالة اجتماع العدل -بمفهومه الصحيح؛ وبتطبيقه الذي وجه به الوحي المطهر- مع هذا الانهيار الأخلاقي والقيمي الكبير !!

وإن من المؤلم والمفجع في عالمنا المعاصر؛ أن تُسطّح قيمة العدل الربانية العظيمة؛ ليصبح مجالها المتعارف عليه هو مساواة الرجال والنساء: في الوظائف؛ وفي التصويت في الانتخابات؛ وفي تساوي فرص التعليم؛ كما هو في ثقافة الحضارات المادية !!

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما العدل في الإسلام إذن ؟

الجواب: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، قال أهل التفسير في معنى الآية: “إن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده في هذا القرآن بالعدل والإنصاف في حقه بتوحيده وعدم الإشراك به، وفي حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه، ويأمر بالإحسان في حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه المشروع، وإلى الخلق في الأقوال والأفعال” !!

وعليه .. فأي عدل تنعم به مجتمعات الحضارة المادية؛ إذا كانوا لم يعدِلوا مع خالقهم العظيم؛ بتوحيده وبتنزيهه عن النقائص؛ وبعبادته سبحانه .. كما أنهم لم يعدِلوا معه سبحانه بقبول شرعه؛ والعمل به؟!

ولا شك أن الشرك ونبذ شريعة الله -في مجتمعات الحضارة المادية- أنتج صورا من الظلم وعدم العدل لا حصر لها، وفيما يلي بعض هذه الصور، فأقول وبالله التوفيق:

الصورة الأولى: انتفاء العدل بين الأفراد في قربهم من إلههم الذي زعموه:

قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: ٣١] !!

لا يوجد في الإسلام رجال دين كهنة -كما في النصرانية-، حيث الكاهن فيها أرفع درجة من باقي النصارى -يُطاع فيُسمعُ له؛ ويعترف له النصراني بذنوبه فيغفرها له-، إنما نجد في الإسلام: الرسل -عليهم السلام- وأتباعهم؛ كلهم عباد لله؛ يتقربون إليه بالطاعات .. وقد بغّض صلى الله عليه وسلم إطراءه كما فعلت النصارى مع عيسى عليه السلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطرُوني كما أطرتِ النصارَى ابنَ مريمَ إنما أنا عبدٌ فقولوا عبدُ اللهِ ورسولُه) [رواه البخاري (٣٤٤٥) !!

الصورة الثانية: انتفاء العدل مع المرأة:

قال صلى الله عليه وسلم: (استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا) [متفق عليه] !!

من أشد المعنفين في الغرب: المرأة، ولم يقتصر التعنيف على الاعتداء الجسدي؛ بل تعداه إلى القتل بأرقام فلكية، ولذا سُنت القوانين لوقف هذا العنف؛ كالقانون الذي سنته أمريكا: (Violence Against Women Act) .. وأنى يجدوا له حلا بعيدا عن الاستسلام لله تعالى؛ واتباع شرعه القويم ؟! والإحصاءات عن هذا العنف مخيفة؛ يمكن الرجوع إليها في مقالات كثيرة على الشبكة !!

الصورة الثالثة: انتفاء عدل البيض مع غيرهم من الأعراق:

قال صلى الله عليه وسلم: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ -: إلَّا بالتَّقوَى) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٧٠٠)] !!

أكمل الله تعالى لعباده الدين، وأتمّ عليهم النعمة؛ بالبعثة المحمدية -على رسولها أفضل الصلاة وأزكى التسليم- في ثلاث وعشرين سنة فقط؛ ساوى فيها الإسلام بين أبي بكر القرشي وبلال الحبشي؛ رضوان الله عليهما !!

وفي المقابل نجد أن أرباب الحضارة المادية -أمريكا مثالا- عجزوا طوال قرون مضت -تخللتها حرب أهلية- عن تحقيق أمر واحد مما جاء به الإسلام -المساواة بين البيض والسود-، ولا تزال هذه الحضارات تتنفس العنصرية الكريهة تجاه الأعراق الأخرى، وما قتل الشرطة في أمريكا لجورج فلويد (George Floyd) بدم بارد -عام ٢٠٢٠ من الميلاد- منا ببعيد !!

الصورة الرابعة: انتفاء العدل مع النفس:

قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] !!

خرجت الحضارة المادية على العالم بشعار جاهلي أطلقوا عليه: (الاستقلال الجسدي)(bodily autonomy)؛ ويعني أن الإنسان حر في جسده؛ يفعل به ما يشاء -وليس أمانة يجب الحفاظ عليه بما شرع الله تعالى-، قال سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: “إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا”، وصدّق الرسول صلى الله عليه وسلم على كلامه فقال: (صدَقَ سَلْمانُ)[رواه البخاري (١٩٦٨)] !!

ولمّا جهلت شعوب الحضارة المادية أن الجسد أمانة؛ أخذوا يشربون الخمور -المُفسِدة للعقل؛ المُتلِفة للكبد- ويستبيحون العلاقات المحرمة -وما تجلبه من أمراض-، أمّا المرأة فقد صرخت متباهية بأنها حرة في جسدها -حملا؛ أو إجهاضاً لحملها- وغير ذلك من الفواحش العِظام !!

الصورة الخامسة: انتفاء العدل مع الفقراء:

قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ..} الآية [التوبة: ٦٠] !!

الظلم واقع على الفقراء المشردين في شوارع الغرب:(The Homeless)؛ الذين حُرِموا من الزكاة -التي فرضها الله تعالى- بسبب شركهم؛ ونبذ مجتمعهم لشريعة الله تعالى !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي جعل العدل -مع الله تعالى؛ ومع خلقه- من أعظم قيم المجتمع المسلم !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..