الحلقة الثالثة والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: ٣٧] !!
آية قرآنية كريمة تحمل التصور الصحيح لأعظم موضوع شغل ذهن الأفراد والمجتمعات على مر العصور .. آية كريمة تبين للمسلم الموقف الصحيح تجاه المال .. وهو تصور غاب عن ثقافة الحضارات المادية فأوردها المهالك -كما سيأتي بيانه-، إذ مع ضرورة المال؛ إلا أنه من أخطر ما يدمر حياة الإنسان -ما لم ينضبط بأحكام الشرع الحنيف- ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حِرص المرءِ على المالِ والشرفِ لدِينِه)[صححه الألباني في صحيح الترمذي (٢٣٧٦)] !!
ولأن الله تعالى خلق الإنسان لعبادته سبحانه وحده دون سواه؛ فقد بيّن له أن من عبادته أن يقف الموقف الصحيح من المال؛ وأن المال بدون الإيمان والعمل الصالح لا يقرب إلى الله، قال تعالى -في الآية التي هي موضع التأمل-: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} .. ومن العمل الصالح -بعد الإيمان بالله تعالى- معرفة أحكام البيع والشراء؛ وإخراج الزكاة؛ وغيرها من التعاملات المالية الصحيحة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء !!
وعليه .. فإن فقْد شعوب الحضارات المادية للإيمان بالله وعمل الصالحات؛ جعل حب المال يستحوذ على قلوبهم؛ ثم تضخم حبه حتى صاروا عبيدا له، قال صلى الله عليه وسلم: (تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ)[رواه البخاري (٦٤٣٥)] !!
بينما نجد أن المسلم -بتعاملاته المالية الشرعية- يؤكد على أن حب الله تعالى مُقدما في قلبه على حب المال؛ وأن الآخرة هي مُبتغاه؛ حتى لو ملك المال الكثير .. بل لو ملك المال الكثير لطمع في أن يكون ممّن قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (لا حسدَ إلا على اثنتينِ رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو ينفقُ منه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ … الحديث)[متفق عليه] !!
وإن ممّا يُبرِز محاسن الإسلام في هدايتة للمسلم -حين بين له الموقف الصحيح من المال في هذه الدنيا- هو أن نستعرض بعض طوام حب المال المُهلِكة؛ التي أشقت شعوب الحضارة المادية .. ذلك أن بيان الأمر وضده؛ نهج نادى به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: “من لم يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام” [منهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/398)]، فأقول وبالله التوفيق:
الطامة الأولى:
قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: ٣١] !!
لكون المال مقدم على كل أمر في قلوب أفراد الحضارة المادية -يضاف إلى ذلك فقْدهم للتوجيه الرباني بالنهي عن قتل الأولاد خشية الفقر-؛ فقد أضحت الضغوط المالية -بسبب كثرة الديون والكساد الاقتصادي وغير ذلك من الأسباب- مؤذنة بجرائم بشعة؛ كقتل الزوج لجميع أفراد عائلته ثم الانتحار .. مثال على هذه الجريمة ما وقع هذا العام في أمريكا: (Hawaii Family Massacre 2024) (مذبحة عائلة هاواي عام ٢٠٢٤) !!
وجرائم إبادة العائلة بأكملها كثيرة في أمريكا؛ ولأسباب مختلفة؛ منها الضغوط المالية .. أفادت إحصائية مصدرها: [Family Annihilation] [الإبادة العائلية]؛ أنه تم إبادة (٢٢٧) عائلة منذ يناير عام ٢٠٢٠ ميلادي !!
وأمّا قتل أحد الزوجين للآخر -لأسباب مالية؛ كالطمع في مبلغ التأمين على الحياة- فما أكثرها في مجتمعاتهم !!
الطامة الثانية:
قال تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور: ٣٣] !!
بينت الآية الكريمة أن حب المال؛ وتقديمه على القيم الصحيحة قد أصاب بعض كفار العرب -في الجاهلية قبل الإسلام- فأخذ بعضهم يُكرِه أَمَتَه على اقتراف الفاحشة لأجل المال؛ فنزل تحريم ذلك !!
أمّا الحضارة المادية الحالية فقد قفزت قفزات مشينة في باب اقتراف الفاحشة -بسبب حب المال-، إذ بالرغم من استحلال العلاقات المحرمة؛ فإن كثيرا من الدول يصنفون البِغاء كوظيفة؛ ويضعون له قوانين ولوائح، كل ذلك لتحقق المرأة استقلالها المالي الذي يزعمون، وما هو إلا استرقاق واستغلال للمرأة !!
كما دفعهم حب المال إلى اقتراف أنواع أخرى من الفواحش: كتجارة بيع الخمور، وتجارة إنتاج الأفلام المُفسِدة؛ وغير ذلك من الفواحش، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: ١٥١] !!
الطامة الثالثة:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] !!
وهنا يعجز الباحث عن استقصاء جميع أنواع الحيل والمكر؛ التي امتهنها آكلو أموال الناس بالباطل في مجتمعات الحضارات المادية -حيث الاستزادة من المال غاية حياتهم-، ولا يحتاج الأمر سوى كتابة الجملة التالية في محرك قوقل: (Types of financial fraud)؛ ليطلع على عناوين مقالات تزيد على العشرين؛ تتحدث عن أنواع الاحتيال المالي الكثيرة والغريبة والأليمة !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله تعالى فيه ما يقرّبنا إليه: الإيمان والعمل الصالح، وليس كثرة الأموال والأولاد !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..