الحلقة الثامنة والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} [لقمان: ١١] !!
خلْقُ الله تعالى لكل شيء؛ موضوع عظيم وكبير .. اعتنى به القرآن الكريم أيما عناية .. وجعله سبحانه مدخلا كبيرا لمعرفته وعبادته .. جاء الحديث عنه في القرآن الكريم بأساليب مدهشة ومؤثرة ومقنعة .. وهو الموضوع الأكبر والمفتاح الأعظم لدعوة غير المسلمين، كيف لا وقد تفرد الله تعالى به؛ وجعله من أكبر الحجج والبينات الدالة عليه ؟!
وما آية التأمل في هذا المقال -{هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِه}- إلا واحدة من بين مئات الآيات التي حشدها القرآن لبيان مدلولات اسمي الله تعالى الحسنى (الخالق، والخلاق) وآثار عملية الخلق العظيمة -في الآفاق وفي الأنفس- التي لا يشاركه -سبحانه- فيها أحد !!
وسأختار بعض آيات القرآن الكريم؛ التي تُدهِش الإنسان حين يتأملها، كما أنها توسع لنا مدلول قوله تعالى: {هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِه}، فأقول وبالله التوفيق:
الآية الأولى:
قال تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: ٦٣] !!
البحر خلق من خلق الله تعالى؛ شقه الله تعالى لموسى عليه السلام !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ماذا يشق الله تعالى كذلك؛ ليخلق منه ما يشاء سبحانه ؟
الجواب:
يشق الله تعالى -الخالق العظيم- سمع وبصر كل جنين من أجنة بني آدم، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم تذكر ذلك في السجود، قال صلى الله عليه وسلم: (سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره) [رواه مسلم (٧٧١)] !!
ويشق الله تعالى -الخالق العظيم- الأرض لتريليونات النبتات الضعيفة -في مساحات من الأرض لا يعلم وسعها إلا الله تعالى- لتغدو هذه النبتات ألوانا شتى من الأشجار الجميلة النافعة، قال تعالى: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا • فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس: ٢٦-٢٧] !!
كما يشق الله تعالى الحب والنوى، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ} [الأنعام: ٩٥]، قال أهل التفسير: “إن الله تعالى يشق الحب، فيخرج منه الزرع، ويشق النوى، فيخرج منه الشجر” !!
الآية الثانية:
قال تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فصلت: ٤٧] !!
من كمال قدرة الله وعلمه: حمْل الأشجار وحمْل النساء .. فقد جمع الله تعالى بينهما في الآية الكريمة -{وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}- فالثمار أصلها زهور يانعة .. إذا لامستها بذور اللقاح حملت حملاً خفيفًا؛ ما تلبث أن تمر به؛ ثم تثقل هذه الزهور ثُقْل الحُمّل من النساء .. ثم يحين قطافها ثمرة يانعة، والمرأة تضع حملها كذلك .. كل ذلك بعلمه سبحانه وقدرته !!
كما تدعونا الآية الكريمة؛ إلى تأمل خروج الثمرات من أكمامها؛ من ناحية الكمية .. فشجرة برتقال واحدة -على سبيل المثال- تحمل المئات من الثمر؛ وتجري فيها المئات من عمليات الحمْل في الموسم الواحد .. لا تقل كل عملية حمْل عن الإعجاز الرباني لحمل المرأة؛ ووضعها لحملها، فكيف بمليارات الأشجار التي تحمل تريليونات الثمار المختلفة؛ كل ثمرة منها تمر على عملية الحمْل المعجزة نفسها ؟!
الآية الثالثة:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: ٥] !!
كلنا قد سمع بعملية تسريع الصورة في بعض المقاطع المرئية؛ حيث يرى المُشاهد المقطع ذي الدقائق الكثيرة؛ في دقيقة مثلا !!
لكن القرآن يدهشنا بأسلوبه الأسرع تشويقا عند الحديث عن بعض مخلوقات الله تعالى -كأطوار خلق الإنسان؛ منذ كونه نطفة إلى هرمه وخَرَفِه؛ إن طال به العمر- يتلوها المسلم في آية واحدة؛ في ثوان معدودة !!
والنبات كذلك: يتلو المسلم في ثوان معدودة مراحل نموه -منذ عملية التمثيل الضوئي -خَضِرا- وحتى تشكُّلِه ثمارا يانعة-، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان} [الأنعام: ٩٩] !!
وصدق الله القائل: {هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} [لقمان: ١١] !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله تعالى فيه أسماءه الحسنى وصفاته العليا؛ ومنها أنه سبحانه الخالق والخلاق !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..