الحلقة السابعة والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: ٢٨] !!
كم هو مدهش كتاب ربنا في حججه وبراهينه البينة ؟! فإذا كان المشرك يأنف ويأبى أن يتساوى مع عبده أو أجيره؛ في ماله وممتلكاته -وهذا أمر طَبَعي-، قال تعالى: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}؛ فكيف يساوي خالقه العظيم مع حجر أو بشر لا يملكون من أمرهم شيئا ؟!!
المدخل للمقال: الآية الكريمة نهجت نهجا ربانيا حكيما -بأسلوب سهل ومبسط؛ ومقتبس من طبيعة الإنسان نفسه- في إقامة الحجج والبراهين .. وهو ذِكر صورة صُغرى للمُلك -وهو ما يملكه الإنسان- وصورة كُبرى للمُلك -وهو ما يملكه خالق هذا الإنسان سبحانه- !!
عليه: فإن إدراكنا لكثير من الموضوعات في صورتها الصغرى -المرتبطة بالإنسان- يحتم علينا إدراك نفس الموضوع في صورته الكبرى؛ التي لها صلة بخالق الإنسان سبحانه !!
وقد أورد القرآن الكريم عددا من الأمثلة -لموضوعات عقدية مختلفة- نهجت ذات النهج الذي نهجته آية سورة الروم، وفيما يلي أقف وقفتين مع مثالين لهذه الحجج، فأقول وبالله التوفيق:
المثال الأول: وحدانية الله تعالى:
قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: ٩١]، قال أهل التفسير: “لم يجعل الله لنفسه ولدا، ولم يكن معه من معبود آخر؛ لأنه لو كان ثمة أكثر مِن معبود لانفرد كل معبود بمخلوقاته، ولكان بينهم مغالبة كشأن ملوك الدنيا، فيختلُّ نظام الكون، تنزَّه الله سبحانه وتعالى وتقدَّس عن وصفهم له بأن له شريكًا أو ولدًا” !!
إذا كان الصراع والمغالبة بين البشر في صورته الصغرى -صراع الأمم؛ واعتلاء دولة وسقوط أخرى؛ لتُخضِعها؛ وتهيمن على ممتلكاتها وثرواتها- أقول إذا كان الصراع والمغالبة في صورته الصغرى فيه فساد عظيم؛ فإن الأشد والأعظم فسادا؛ الصراع والمغالبة في صورته الكبرى؛ كما يعتقد المشركون -تعالى الله عن ذلك- بأن يكون مع الله آلهة أخرى؛ إذن لذهب كل إله بما خلق؛ ولعلا بعضهم على بعض؛ ولفسدت السماوات والأرض، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: ٢٢] !!
فسبحان الله الواحد الأحد، لا شريك له، ولا ند له، ولا يغالبه أحد .. نمسي ونصبح والسماوات لا زالت كما هي .. والأرض كذلك .. الغيث ينزل والأرض تنبت والدواب ترعى .. الهواء قد ملأ الفضاء .. أرحام تدفع وأرض تبلع .. والموت لا يفوت أحدًا .. فلا إله إلا الله الواحد الأحد؛ المتفرد في تدبير شؤون جميع الخلائق !!
المثال الثاني: التشريع:
قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٢٩] !!
بينت الآية الكريمة الصورة الصغرى لموضوع الأوامر؛ وهو ما يمليه السادة على العبيد -وهو التشريع عند الحديث عن الله تعالى-: أنه لو وُجِد عبد يملكه سيد واحد؛ {رَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ} .. وعبد آخر يملكه أكثر من سيد؛ {رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} .. فإننا ندرك بدهيا أن حياة العبد -ذي السيد الواحد- أهنأ وأفضل نفسية من حياة الآخر؛ الذي كثُر أسياده؛ كل منهم يريد منه شيئا؛ ويلقي عليه أمرا؛ مغايرا عن أوامر السادة الآخرين !!
فإذا ما أقر الإنسان بالصورة الصغرى التي بينها ربنا تعالى لموضوع الأوامر بين السادة والعبيد -وهو التشريع عند الحديث عن الله-؛ فإن عليه أن يقر به في صورته الكبرى؛ بأن الله هو السيد الواحد الأحد؛ ليس له شركاء في أمر عباده ونهيهم .. ولا يُطاع في كل أمر إلا هو .. ومن ثم يترك طاعة كل من زعمت الفِرق الضالة أنه شريك مع الله في التشريع؛ فتهنأ نفسه بالتوحيد ولا تتشتت !!
كذلك متى ما أدرك الإنسان أن الله تعالى هو السيد الواحد الأحد؛ الذي يجب أن يُطاع في كل أمر؛ فإنه سيكون رافضا لشبهة الحضارات المادية الخبيثة التي تقول: يجب قصر الدين وحصره في الأمور التعبدية بين الإنسان وربه فقط؛ ولا دخل له بتنظيم حياة الناس؛ الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من جوانب الحياة، ومن ثم لن نجده بعد ذلك يقول:
*ما للدين وما أسمع؛ أو أشاهد ؟!
ما للدين ومن أصادق ؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في العلاقات: (المرء على دين خليله) [حسنه الألباني في صحيح الجامع (٣٥٤٥)].
ما للدين والاقتصاد !!
أو وغير ذلك من الشُبه الباطلة !!
وتبقى بعد ذلك آيات أُخر؛ نهجت ذات النهج المبسط الحكيم الذي نهجته آية سورة الروم، نحتاج أن نخاطب بهذه الآيات المِلل الضالة؛ التي عبدت مع الله آلهة أخرى -كعبادة البقر والفئران والصلبان وغيرها-، واختطت لمجتمعاتها الحرية البهيمية؛ بعد أن نبذت شرع الله الحكيم !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله تعالى فيه -بالحجج والبراهين- عظمة دينه السمح الحنيف !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..