الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية”، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] !!
يتناول بعض الدعاة -في كلماتهم وكتاباتهم؛ بعد رمضان من كل عام- موضوع عودة بعض المسلمين إلى حالهم قبل رمضان؛ من تفريط في جنب الله تعالى .. يتناولونه بشيء من النصح لهم؛ وتذكيرهم بالله تعالى؛ وترغيبهم في طاعته؛ والبعد عن معصيته؛ وهذا أمر حسن .. غير أن الأولى طرح الموضوع الأشمل والأهم للمسلمين -المتمسكين منهم بالدين؛ والمفرطين؛ ليس بعد رمضان فحسب؛ ولكن في كل حين- وهو موضوع الثبات على دين الله تعالى حتى الممات؛ الذي وجهنا الله تعالى إليه في الآية الكريمة؛ التي هي موضع التأمل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} !!
الثبات على دين الله تعالى حتى الممات يحتاجه كل مسلم؛ لأنه يدين بالإسلام -الذي هو دين الحق-؛ ويدعو إليه -وهو المنهج الحق-؛ ويوالي المؤمنين في كل مكان -لأن ذلك هو التعامل الحق- قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] !!
والثبات على الإسلام موضوع كبير؛ اعتنى به كتاب ربنا أيّما عناية؛ وعرضه من زواياه المختلفة: سواء كان ذلك من جهة الحث على الثبات؛ أو من جهة خطر الانتكاس عنه؛ أو عن حرب المشركين للثابتين على الإسلام؛ وغير ذلك ممّا له علاقة بالموضوع -كما سيأتي بيانه- ممّا يجعل هذا الموضوع من ضمن أقوى الدوافع للإقبال على فهم وحفظ كتاب الله تعالى !!
وقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم -من كلام ربهم- أن طريق الثبات على الإيمان محفوف بالابتلاءات، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢]، وممّا يدلل على إدراكهم لسنة الابتلاء؛ تصريحهم بذلك يوم تألبت عليهم الأحزاب في غزوة الخندق؛ فقالوا: “هذا ما وعدنا الله ورسوله؛ من الابتلاء والمحنة والنصر” كما قال أهل التفسير، قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٢٢] !!
وفيما يلي أقف وقفات مع موضوع الثبات، فأقول وبالله التوفيق:
الوقفة الأولى: وصية الأنبياء عليهم السلام لأبنائهم بالثبات على الإسلام حتى الممات:
قال تعالى: {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢] !!
الوقفة الثانية: صور من الثبات عظيمة ومؤثرة:
في قصة الأخدود -التي جاء ذكرها في سورة البروج- صور عظيمة للثبات على الإيمان حتى الممات؛ منها قصة المرأة المؤمنة التي كرهت أن ترمي بنفسها في نار الأخدود؛ فحصل أمر غاية في الثبات من وليدها؛ قصّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (..حتّى جاءَتِ امْرَأَةٌ وَمعها صَبِيٌّ لَها، فَتَقاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيها، فَقالَ لَها الغُلامُ: يا أُمَّهْ، اصْبِرِي؛ فإنَّكِ على الحَقِّ) [رواه مسلم (٣٠٠٥)] !!
الوقفة الثالثة: صورة لمن انتكس بعد الإيمان ولم يثبت؛ لتفضيله الدنيا على الآخرة:
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ • وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف: ١٧٥-١٧٦]، قال أهل التفسير: “واقصص -أيها الرسول- على أمتك خبر رجل من بني إسرائيل أعطيناه حججنا وأدلتنا، فتعلَّمها، ثم كفر بها، ونبذها وراء ظهره، فاستحوذ عليه الشيطان، فصار من الضالين الهالكين؛ بسبب مخالفته أمر ربه وطاعته الشيطان .. ولو شئنا أن نرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا، ولكنه رَكَنَ إلى الدنيا واتبع هواه، وآثر لَذَّاته وشهواته على الآخرة” !!
الوقفة الرابعة: محاربة أهل الشرك للثابتين على دينهم:
قال تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ٨٨] !!
الوقفة الخامسة: في ثبات أهل الباطل على باطلهم؛ دافع كبير ليثبت المسلمون على الحق المنزل من عند ربهم العلي العزيز الحكيم:
قال تعالى: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: ٦]!!
الوقفة السادسة: ملازمة الدعاء بالثبات على الإسلام؛ وأن يربط الله على قلوبنا:
قال تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ} [الكهف: ١٤]، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُكثرُ أن يقولَ: (يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٤٨٠١)]!!
أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية من أوقاتنا في شهر رمضان المبارك -تدبرا وحفظا وعلما وعملا- حتى يمكننا -بعد توفيق الله- من استعراض باقي الآيات القرآنية التي تحدثت عن موضوع الثبات !!
اللهم بلغنا ليلة القدر .. وارزقنا قيامها على الوجه الذي يرضيك عنا !!
اللهم زد أهل غزة ثباتا على ثباتهم؛ فقد تألبت عليهم دول الكفر والشرك والطغيان !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..