الحلقة السابعة والأربعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: ٨٣] !!
محور رابع من المحاور التي واجه بها القرآن الكريم فِرية أهل الكفر والضلال حين قالوا: القرآن الكريم أساطير الأولين .. جاء ذلك في تعقيب الله تعالى المباشر على تلك المقولة الخبيثة بقوله سبحانه: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ • قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ • قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ • بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ • مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: ٨٤-٩١] !!
وهذه وقفات تأمل مع الآيات الكريمات؛ التي واجهت فِرية أهل الزيغ والضلال؛ فأقول وبالله التوفيق:
الوقفة الأولى:
إن إسماع المكذبين من أهل الزيغ والضلال -الزاعمين أن القرآن أساطير الأولين- إن إسماعهم ما قاله الله تعالى عن عظيم ما خلق في هذا الكون الفسيح -كما في الآيات الآنفة الذكر من سورة المؤمنون- يُعدُّ منهجا مُطّرِدا في كثير من سور القرآن الكريم؛ ينبغي على دعاة الإسلام ألا يحيدوا عنه في دعوتهم غير المسلمين !!
وإن من أعظم الأدلة على أهمية هذا المنهج المُطّرِد؛ هو أننا نجد -عند تلاوتنا لسورة البقرة- أن أول آية في القرآن دعت الناس لعبادة الله؛ هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١]؛ وفيها جعل سبحانه من التفكر في خلق الناس -{الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}- طريقاً إلى معرفته وتعظيمه حتى يحققوا عبوديته سبحانه !!
ولا يظن مسلم أن حديث القرآن عن الله تعالى؛ وأسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ هو نفس حديث كتب غير المسلمين المحرفة -من يهود ونصارى وغيرهم-، فيزهد في إسماعهم ما نعت الرب تعالى به نفسه -في قرآننا- من أسماء الكمال وصفات الجلال؛ ظنا منه أن ذلك كلام مكرور؛ ويعرفونه .. كيف يظن ذلك وقد بين سبحانه في آية كريمة ضمن الآيات الكريمات التي واجهت تلك الفِرية الخبيثة -بأن القرآن أساطير الأولين- بيّن أن أهل الزيغ والضلال يعتقدون عقائد باطلة في الله ؟! قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: ٩١] !!
الوقفة الثانية:
إن نهج القرآن الكريم في التعريف بالله تعالى -كما في الآيات الآنفة الذكر من سورة المؤمنون- قد جمع بين النظر إلى كتاب الكون المفتوح وكتاب الله المقروء، وهذا هو المنهج القويم الذي يرتقي به إيمان العبد، ذلك أن النظر المجرد لهذه المخلوقات -بدون اصطحاب ما قاله الله تعالى عنها في كتابه الكريم- لا يعدو أن يكون إعجاباً بجمالها وجمال ألوانها، كالنظر المجرد للزرع مثلا .. ولن تحصل مع هذا النظر المجرد تلك اللفتات الإيمانية العظيمة التي ذكرها الله تعالى عند حديثه عن هذه المخلوقات؛ كما سيأتي بيان ذلك في لفتة إيمانية واحدة فقط من خلق السماوات !!
ثم لم يكتف القرآن الكريم في مواجهته للمكذبين للقرآن -القائلين بأنه من أساطير الأولين- بأن بيّن لهم عظيم ما خلق من سماوات وأرضين وعرش عظيم، بل زاد وأعانهم -لعلاج كذبهم- بتقرير ما استقر في نفوسهم -بالرغم من شركهم- من أن الله تعالى هو الخالق المالك المدبر -{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ}-، قال أهل التفسير: “سيجيبون: بأن ذلك كلَّه لله، قل لهم: كيف تذهب عقولكم وتُخْدَعون وتُصْرفون عن توحيد الله وطاعته، وتصديق أمر البعث والنشور؟ ” !!
الوقفة الثالثة:
التأمل في خلق السماوات، والوقوف على لفتة إيمانية واحدة فقط من بين الكثير من اللفتات:
من ضمن الآيات الآنفة الذكر من سورة المؤمنون؛ قال تعالى في ذكر السماوات: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: ٨٦-٨٧]، في الآية لفتة إيمانية عظيمة؛ وهي أن من مقاصد خلق السماوات: تقوى الله -{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}- وهو مما يزيد من إيمان المؤمنين واستقامتهم .. وأمّا شعوب الحضارة المادية -الذين أعرضوا عن سماع القرآن الكريم- فقد فاتهم هذا المعنى العظيم -تقوى الله- حين حصروا إعجابهم -عند النظر المجرد إلى السماء- على تعداد نجومها ومجراتها؛ وماهيتها؛ وكل ما له علاقة بذلك من أمور مادية وحسية !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان الله لنا فيه المنهج الرباني القويم في التأمل فيما خلق سبحانه في هذا الكون الفسيح !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..