التأمل المفيد (٣٥٩)

الحلقة الخامسة والأربعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى -حكاية عن الكفار-: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النمل: ٦٨] !!

محور آخر من المحاور التي واجه بها القرآن فِرية أهل الضلال والكفر حين قالوا: القرآن الكريم أساطير الأولين .. جاء ذلك في تعقيب الله المباشر على تلك المقولة الخبيثة: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل: ٦٩] !!

إن عذاب المجرمين والمكذبين في هذه الدنيا؛ الذي سرده لنا القرآن -كطوفان نوح عليه السلام؛ وصيحة ثمود؛ وإغراق فرعون وجنده في اليم- لهو أكبر شاهد على أن القرآن لم يكن نتاج أسطورة من نسج الخيال؛ وإنما هو كلام القوي العزيز الجبار؛ الذي وعد بعذاب المكذبين الضالين؛ ثم أنجز وعده سبحانه !!

لكن سرد القرآن لهذه النهايات الوخيمة للمجرمين خلال قرون مضت من تاريخ البشرية الطويل؛ يعد جانبا واحدا من جوانب موضوع عذاب الله للمكذبين، ويبقى جانب آخر مهم جدا؛ وهو بيان ألوان العذاب المسلط على المشركين المكذبين في أي عصر؛ كعصرنا على سبيل المثال -كما سيأتي بيانه- قال تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} [الرعد: ٣١]، ويقول تعالى: {مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٣] !!

عليه؛ أقول وبالله التوفيق:

هذه ثلاث صور من ألوان العذاب المسلط على المكذبين في عصرنا:

الصورة الأولى:

قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: ١١٢] !!

إذا كان عذاب الله قد طال أقواما سكنوا بلد الله الحرام -لشركهم وعبادتهم للأصنام؛ وهم كفار قريش؛ كما قال أهل التفسير- فكيف بغيرها من دول الحضارة المادية اليوم؛ الذين زادوا على شركهم بالله ارتكاب أشد الموبقات والمهلكات من المعاصي والآثام؛ كالعلاقات المحرمة والشذوذ .. ناهيك عن المجازر؛ والإبادة الجماعية التي تقترفها قواتهم ضد المسلمين في فلسطين هذه الأيام ؟!!

إن الانفلات الأمني في مجتمعات الحضارة المادية اليوم -{فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}- ووجود عشرات الألوف من المشردين الجوعى في شوارع مجتمعاتهم؛ إنما هو لون من ألوان عذاب الله تعالى المسلط عليهم، وهو شاهد على أن القرآن الكريم لم يكن نتاج أسطورة من نسج الخيال؛ وإنما هو كلام القوي العزيز الجبار الذي وعد بعذاب المكذبين الضالين؛ ثم أنجز وعده !!

ملاحظة: ستبقى مكة دار إسلام إلى قيام الساعة؛ بعد أن فتحها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وطهّرها من الشرك وعبادة الأصنام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُغْزَى هذِهِ بعدَ اليومِ إلى يومِ القيامةِ)[صححه الألباني في صحيح الترمذي (١٦١١)]!!

الصورة الثانية:

قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} [الرعد: ٦]، استعجال أهل الضلال بالسيئة في الآية الكريمة؛ هو استعجالهم بالعذاب؛ كما قال أهل التفسير !!

الاستعجال بالعذاب أمر ظاهر في الحضارة المادية ..  فبالرغم من كونهم لا يجنون بمخالفتهم لشريعة الله إلا النتائج السلبية .. إلا أنهم زادوا على ذلك باستعجال هذه النتائج السلبية؛ حين وظفوا إدارتهم الإبداعية الفائقة؛ في بيئة هذه المخالفات الشرعية؛ لتهوي بهم سريعا إلى دركات الجحيم في الدنيا والآخرة، وصدق الله القائل: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ} [الحشر: ٢] !!

من الأمثلة على استعجالهم بالعذاب:

عمليات الإجهاض المحرمة في الإسلام -إلا لأسباب شرعية-، فقد وظف الغرب الإدارة الإبداعية الفائقة في مجال عمليات الإجهاض -لتتسارع بسببها عجلة تحقيق النتائج السلبية-، حيث انتقلوا بالإجهاض من بساطته -حين يقع في الأسابيع الأولى من الحمل- إلى القيام بإجهاض الجنين حتى وهو في شهره السابع والثامن؛ بل والتاسع؛ بطريقة إجرامية مبتكرة، وعلى إثر ذلك فشت العلاقات المحرمة في مجتمعاتهم -لسهولة الإجهاض- وما جلبته لهم من جرائم قتل؛ وانهيار للقيم والأخلاق !!

وقل مثل ذلك في كافة نواحي الحياة؛ التي ضبطها الإسلام بشريعته الربانية، فخالفوها وتبنوا ما حرم الله، وزادوا على ذلك بتوظيفهم الإدارة الإبداعية الفائقة لاستعجال النتائج السلبية !!

الصورة الثالثة:

قال صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) صححه الألباني [صحيح الترغيب (2187)] !!

وهذا لون آخر من ألوان العذاب النازل على مجتمعات الحضارة المادية اليوم: هو تسليط الله عليهم الطواعين والأمراض؛ التي لا يمكن إيقافها بتقدمهم الهائل في علوم الطب، وإنما يكون إيقافها بالاستسلام لرب العالمين؛ وترك الفاحشة التي أوغلوا فيها؛ حتى يُرفع عنهم عذاب الأمراض من الله تعالى؛ كالأمراض الجنسية؛ وغيرها من الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-، والحمد لله تعالى على عقابه للظالمين في هذه الدنيا، قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ٤٥] !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..