التأمل المفيد (٣٥٣)

الحلقة التاسعة والثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} [الأحزاب: ٢١] !!

معنى عظيم تضمنته هذه الآية الكريمة؛ يدفعني بقوة لكتابة هذا المقال، خاصة والمسلم يرى نفور المليارات من شعوب الحضارة المادية من الاستسلام لخالقهم العظيم؛ لجهلهم بحقيقة الإسلام !!

هذا المعنى العظيم يتمثل في كون الرسول صلى الله عليه وسلم ليس أسوة حسنة في أقواله وأفعاله فقط؛ بل هو أسوة حسنة في أمر آخر جد عظيم: في هداية المسلم ليتعامل مع الله تعالى مباشرة؛ وبدون وسطاء؛ تماما كما كان يتعامل هو صلى الله عليه وسلم مع ربه، وهو نهج كل الأنبياء عليهم السلام، فقد حكى لنا القرآن الكريم قول موسى عليه السلام لفرعون: {وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ} [النازعات: ١٩] .. هذا التعامل مع الله تعالى مباشرة؛ وبدون وسطاء؛ هو الفرق الكبير بين دين الله تعالى الحق؛ وباقي الملل والنِحل الضالة -القديم منها والحديث- كالديمقراطية المحدثة؛ التي تشرع للناس من دون الله تعالى !!

وأمّا طاعة الرسل عليهم السلام فإنه أمر أذِن الله تعالى به، بل وجعل طاعتهم طاعة لله تعالى، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: ٦٤] .. أمر بطاعتهم -لا لكونهم وسطاء بين الله تعالى وبين الناس- وإنما لكونهم المبلغين عنه سبحانه، قال تعالى: {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: ٩٩] !!

وحتى يقطع القرآن الكريم الشبهة التي طالما روج لها الكفار -قديما وحديثا- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يختلق القرآن من عنده؛ ليُنصِّب نفسه إلها أو سيدا -زعموا- وليُلغوا عنه صفة التبليغ عن الله؛ نزل قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ • لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ • ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٤-٤٦] !!

وقد أبطل الله تعالى مزاعم النصارى من اتخاذ المسيح عليه السلام إلها، قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: ٧٩] .. كما شدد سبحانه النكير على أتباع اليهود والنصارى حين اتخذوا الأحبار والرهبان أربابا من دون الله، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١] .. والإنكار يعم من باب أولى الأحبار والرهبان الذين جعلوا لأنفسهم خصوصية دينية تميزهم عن باقي الناس !!

في الإسلام؛ لم يُعط علماء الشريعة صفة خاصة في علاقتهم بالله تعالى؛ تميزهم عن باقي الناس، إنما جعل الله تعالى التقوى مجال التنافس بين المسلمين، فتجد من بين كل فئات الناس أتقياء؛ وليس من علماء الشريعة فقط، حيث الجميع يتنافسون في تعاملهم مع ربهم مباشرة؛ وبدون وسطاء !!

وقد أفنى عمره صلى الله عليه وسلم في ترسيخ هذا المعنى العظيم في الناس -التعامل مع الله تعالى مباشرة؛ وبدون وسطاء- وهذه أمثلة على ذلك:

شدة استقامته صلى الله عليه وسلم .. قال صلى الله عليه وسلم: (شيَّبتني هودٌ، والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يتَسَاءَلُونَ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٩٥٥)] .. قال تعالى في سورة هود: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا} [هود: ١١٢] !!

في الحديث أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما شاء اللهُ وشئتَ، فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أجعلتني للهِ عدلًا بل ما شاء اللهُ وحدَهُ) [صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (٦٠٥)]!!

وفي حديث آخر أكد صلى الله عليه وسلم على عبوديته لله تعالى، وهي الصفة التي ينبغي للبشر أن يتصفوا بها، قال صلى الله عليه وسلم: (لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) [رواه البخاري (٣٤٤٥)] !!

ولم يميز صلى الله عليه وسلم نفسه عن الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (544)] !!

فإذا ما أظهر المسلمون هذا المعنى العظيم -التعامل مع الله تعالى مباشرة؛ وبدون وسطاء- في جميع مجالات الحياة: التعبدية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، وغيرها، قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩]؛ ورأوا الفلاح والسعادة والأمن في حياتنا؛ عندها سيتضح لشعوب الحضارة المادية -الذين لم يتذوقوا طعم الحرية الحقة؛ ولم ينعتقوا من أنواع العبوديات المهينة المختلفة؛ التي تسيّرهم كالبهائم في هذه الحياة، قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]؛ عبودية للصليب، وعبودية للشهوات، وعبودية لتشريعات البشر- أقول إذا ما أظهرنا هذا المعنى العظيم؛ وأزلنا الحاجب المفتعل بين الناس وبين خالقهم في كل أمور الحياة؛ عندها سيكون إقبالهم على الدخول في الإسلام كبيرا -بعد مشيئة الله تعالى- كما حصل في دخول الكثير من كفار قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في عبوديته لله تعالى؛ في كل أمور الحياة !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة- دين التوحيد الخالص لله رب العالمين !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في المنتديات قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..