التأمل المفيد (٣٥٢)

الحلقة الثامنة والثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ} [آل عمران: ٨١] !!

إن أكبر دلالة على إصرار دول الحضارة المادية على حرب الإبادة في غزة؛ وسفك دماء النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء فيها: هي تعزيز استكبارهم في الأرض؛ لنشر ثقافتهم المخزية؛ التي يطلقون عليها: “نظام العالم الحر” !!

وكلما تأملت؛ وتألمت كذلك من صدود المليارات من شعوب الحضارة المادية عن الاستسلام لخالقهم؛ الله رب العالمين -وذلك بسبب إقناع المتنفذين لهم أن الأقوى عسكريا يستحق إخضاع العالم لثقافته؛ حتى لو عارضت ثقافته القيم الصحيحة؛ والأخلاق الحميدة؛ التي أقرتها كل الشرائع السماوية- كلما تأملت في ذلك الصدود وجدتني أشعر بالتقصير الدعوي الكبير تجاه تلك الشعوب المُضللة !!

ثم تأتي الآية الكريمة -التي هي موضع التامل في هذا المقال- لتبطل ما يسمى: “بنظام العالم الحر”؛ المُحدث البغيض، تبطله ببيان نظام؛ أحكم الله طريقة تعاهده واستمراره خلال تاريخ البشرية الطويل -كما سيأتي بيانه- قد فطر الله تعالى الناس عليه، نظام ضارب في الزمان -منذ آدم عليه السلام؛ وإلى أن يقوم الناس لرب العالمين- إنه: “النظام الرباني الحكيم” بالاستسلام لله العظيم؛ واتِّباع منهجه القويم !!

هذا النظام الرباني الحكيم كان أول سماع البشرية به هو حين خاطبهم الله تعالى جميعا؛ قبل خروجهم من أرحام أمهاتهم .. روى أحمد بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا: (أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان -يعني: عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قِبَلا، قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ…} الآية إلى قوله تعالى:{الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف : ١٧٢-١٧٣] صححه الألباني [المشكاة (117)] !!

ثم أحكم الله تعالى طريقة تعاهد واستمرار نظامه الرباني الحكيم -خلال القرون- ليس بإرسال الرسل عليهم السلام فقط؛ ولكن بأخذ الميثاق من الرسل على أمر عظيم، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: ٨١]، قال علي بن أبي طالب في تفسيرها: “ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به وينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بُعِث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه”[تفسير ابن كثير (٦٧/٢)] .. ألا ما أعظم رحمة الله تعالى بالبشرية حين أحكم طريقة تناقل نظامه الرباني الحكيم عبر القرون !!

وقد كان اليهود من أكبر المجموعات البشرية التي أدركت طريقة التعاهد -التي أحكمها الله تعالى للنظام الرباني الحكيم- وذلك لكثرة رسلهم عليهم السلام، قال صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل تَسُوسُهُمُ الأنبياء، كلما هلك نبي خَلَفَهُ نبي، وإنه لا نبي بعدي)[متفق عليه]، هؤلاء الرسل حدّثوا أتباعهم -بلا ريب- بوجوب الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لو بُعِث فيهم !!

لكن اليهود والنصارى؛ دأبوا على إخفاء صفته صلى الله عليه وسلم؛ وإنكار بعثته؛ منذ مبعثه؛ وإلى يومنا هذا، دأبوا على ذلك بدلا من الإيمان به ومناصرته؛ بالرغم من كثرة النصوص الواردة في كتبهم عن صفته صلى الله عليه وسلم وبعثته، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ} [الأعراف: ١٧٥]؛ ليصدوا بذلك الإخفاء والنكران شعوبهم عن اتِّباع النظام الرباني الحكيم !!

وأمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه -بعد قيام دولة الإسلام في المدينة واستقرارها- راسل كُبراء الأمم غير المسلمة؛ يدعوهم إلى الدخول في هذا النظام الرباني الحكيم، وفيما يلي جزء من رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم: (فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ) [متفق عليه] !!

وحيث قد أرسل الله تعالى خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة؛ فقد حكم سبحانه على لسان رسوله؛ بوجوب اتِّباع الناس -أجمعين- لنظامه الرباني الحكيم؛ الذي جاء به الرسول الخاتم، قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفْسُ محمدٍ بيدِهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، لا يهودِيٌّ، ولا نصرانِيٌّ، ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كان من أصحابِ النارِ) [رواه مسلم (١٥٣)]!!

وواصلت الأمة المسلمة -بعد موته صلى الله عليه وسلم- نُصرة ونشر النظام الرباني الحكيم؛ في العالمين؛ ولا تزال -وفاء لميثاق ربهم تعالى- يحثها على ذلك أهل العلم؛ الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (يحمِلُ هذا العلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه ينفونَ عنهُ تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ) [صححه الإمام أحمد في تاريخ دمشق (٧/٣٩)]!!

وأمّا أرباب “نظام العالم الحر” فحضارتهم إلى زوال؛ ولهم في الآخرة عذاب أليم !!

فالحمد لله الذي هدانا لنظامه الرباني الحكيم -الإسلام- دين الحنيفية السمحة !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في المنتديات قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..