التأمل المفيد (٣٥٠)

الحلقة السادسة والثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: ٨٢] !!

المعارك التي تخوضها الحضارة المادية مع منهج خالقها سبحانه -وهم قطعا الخاسرون في جميع هذه المعارك- لا تقتصر على ارتكاب المجازر في غزة، بل سبقتها معركة اقتصادية مستمرة؛ تُرهِقهم؛ وتقودهم إلى حالات من الفوضى والجريمة والانحطاط والانهيار، ولبيان ذلك أقول وبالله التوفيق:

يختلف الاقتصاد من المنظور الإسلامي جذريا عنه في الحضارة المادية؛ في محاور عدة -أبيّن منها ثلاثة- أولها:

أن أهل الإسلام قد رسخ في إيمانهم أن الله تعالى هو من يدبر اقتصاد الناس؛ فيوسِّعه أو يضيِّقه؛ نتيجة قربهم أو بعدهم من منهج الله تعالى  .. والآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال توضح ذلك أيما إيضاح:

حينما نسي النفر -الذين لم يكن لهم هم إلا الحياة الدنيا؛ مع غفلة عن منهج الله تعالى- حينما نسوا أن الخالق هو من يدبر أمور الناس -من ذلك الأمور الاقتصادية- وفَتَنتهم زينة قارون؛ قالوا كما حكى لنا القرآن: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: ٧٩] .. ثم حين قدّر الله تعالى أن يُدمِّر اقتصاد قارون؛ وخسف به الأرض؛ أدركوا حينها أن الله تعالى هو من يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، قال تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} !!

إن نسيان أرباب الحضارة المادية أن الله تعالى هو من يدبر أمور الخلق -وكأن الله تعالى في حسهم غير موجود- لهو أمر خطير للغاية، قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧] .. إذ لابد للإنسان من تذكر أنه مُلك لله تعالى في هذه الأرض، قال تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: ٨٤]، كما لابد له من تذكر أن الذي يدبر أمر كل من في الأرض هو الله، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: ٥] !!

ولو أن الحضارة المادية المعاصرة آمنت بخالقها العظيم؛ وبمنهجه القويم -الإسلام- لفتح الله تعالى عليها بركات من السماء والأرض، ولكنهم أعرضوا واستكبروا؛ فسلط الله تعالى عليهم ألوان العذاب؛ من أمراض نفسية؛ فشت بسببها الجريمة في مجتمعاتهم؛ وانحدار في القيم والأخلاق؛ وأزمات اقتصادية خانقة؛ وصدق قول الله تعالى في أمثالهم: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ • أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ • أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ • أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٦-٩٩] !!

المحور الثاني:

أهل الإسلام يعتصمون ويلتفون حول عقيدتهم وإيمانهم بربهم .. أما أرباب الحضارة المادية فيعتصمون ويلتفون حول عقيدتهم الاقتصادية -عبودية المال- قال تعالى: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبإ: ٣٤-٣٥] .. ولذلك عقّب تعالى على قولهم فقال: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ} [سبإ: ٣٧] .. بل بيّن صلى الله عليه وسلم أن حالة الفقر مع الإيمان أفضل من حياة الغنى مع التمرد على منهج الله، قال صلى الله عليه وسلم: (فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ)[متفق عليه] !!

بل إن يوما واحدا في ظل الأمن -الذي لا يحصل إلا باتباع منهج الله تعالى- والعافية -التي لا تأتي إلا منه سبحانه- كأنما حاز المسلم بذلك اليوم الدنيا كلها، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبحَ معافًى في بدنِه آمنًا في سِربِه عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرِها) [حسنه الألباني في صحيح الترغيب (833)] !!

المحور الثالث:

وهو الطامة الكبرى التي تُجهِز على اقتصاد الحضارة المادية؛ وتقسم ظهره؛ ارتكابهم المجازر وحروب الإبادة، حيث تكلفة هذه الحروب الباهظة تعمل على انهيار الاقتصاد !!

والأهم من ذلك أن الله تعالى توعد الظالمين بالعذاب الدنيوي ولو بعد حين .. وإذا كان الله تعالى قد شنّع على القتل بغير الحق؛ وجعل قتل شخص واحد كقتل الناس جميعا؛ فكيف بالمجازر وحروب الإبادة في غزة ؟؟!! لا شك أنها من أشد أنواع الظلم؛ الموجبة لعذاب الله وعقابه في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج: ٤٨]، وهذا العذاب الرباني هو الذي يقضي على كل حضارة مادية باغية ظالمة !!

فالحمد لله على سماحة دين الإسلام؛ الذي هدانا الله به إلى أصول في علوم الاقتصاد عظيمة !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..