الحلقة الحادية والثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: ٦٧] !!
إذا كانت الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- تخاطب المشركين؛ الذين يعبدون مع الله غيره .. فإن المؤمن ينتفع بالآية الكريمة نفسها ليَحْذَرَ من التقصير في جنب الله، قال تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: ٥٦] !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما الأمر الظاهر والعظيم الذي حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- كل الحرص على أن يربي عليه صحابته الكرام: من خلال أقواله وأفعاله؛ طوال ثلاث وعشرين سنة -سواء كان ذلك في مكة؛ زمن الصبر على أذى قريش؛ أو في المدينة؛ وما صاحب ذلك من تمكين الله تعالى له فيها- إلى أن توفاه الله تعالى ؟
الجواب:
لا ريب أن هذا الأمر الظاهر والعظيم الذي كان يحرص عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ هو رفع المستوى المعرفي والتعبدي لدى صحابته الكرام؛ في التعامل مع الخالق سبحانه من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلا؛ حتى يرقى هذا التعامل إلى المستوى المطلوب؛ الذي يتناسب مع عظمة هذه الأسماء الحسنى !!
لقد عايش الصحابة مئات المواقف -من خلال ألوف الآيات القرآنية الكريمة؛ ومثلها في العدد من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم-، مواقف صبت جميعها في موضوع التعريف بأسماء الله الحسنى، قال صلى الله عليه وسلم: (للهِ تبارَك وتعالى تِسعةٌ وتسعونَ اسمًا مَن أحصاها دخَل الجنَّةَ) [متفق عليه]، حتى أضحى تعاملهم مع الله تعالى وكأنهم يرونه رأي العين !!
ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بتعريف الصحابة بالله تعالى في زمن الخوف فقط؛ كما قال للصديق رضي الله عنه -وهما في الغار- حين قال الصديق: “لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ”، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما) [متفق عليه]، وغيرها من المواقف .. بل حتى في حال أمنهم .. بعد رجوعهم من غزوة منتصرين؛ سمعهم صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال معرفا بربه سبحانه: (إنَّ ربَّكم ليسَ بأصمَّ ولا غائبٍ هوَ بينَكم وبينَ رءوسِ رحالِكم ثمَّ قالَ يا عبدَ اللهِ بنَ قيسٍ ألا أعلِّمُك كنزًا من كنوزِ الجنَّةِ لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّه) [متفق عليه] !!
وفي هذه الأيام -والأمة ترفع أكف الضراعة إلى الله بالدعاء أن يحرر المسجد الأقصى؛ ويحفظ المسلمين في فلسطين؛ وينصرهم على اليهود الغاصبين- أجدها فرصة مواتية لتسليط الضوء على بعض أسماء الله تعالى الحسنى؛ من خلال الأزمة القائمة في فلسطين، من ذلك:
حينما تستعرض السفن الحربية الضخمة -التابعة للحضارة المادية- قوتها؛ سواء كان ذلك وهي رابضة في موانئها على اليابسة؛ بكامل جاهزيتها -لتمثل ردعا لأعدائها- أو وهي تجوب البحار؛ مهددة ومتوعدة .. عندها يستحضر المؤمن بقلبه -قبل لسانه- اسم الله تعالى “الوكيل” .. الله تعالى هو الوكيل على كل ما خلق؛ يفعل به ما يشاء، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: ٦٢] .. وكيل سبحانه على اليابسة وعلى البحار؛ يملكها؛ ويفعل بها ما يشاء .. قال تعالى عن قدرته على فعل ما يشاء باليابسة: {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} [الإسراء: ٦٨] .. ثم قال بعدها مباشرة عن قدرته على فعل ما يشاء بالمشركين وهم في سفنهم في أعالي البحار: {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: ٦٩]، فكيف باستحضار أسماء أخرى لله تعالى؛ كاسمه القوي؛ والنصير؛ والقاهر؛ والقدير؛ والمتين؛ والمهيمن ؟!
بل كيف باستحضار اسم الله “الكبير”، ونحن نعلم أن الله تعالى قال عن كرسيه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥]، فكيف بعرشه؛ فكيف به سبحانه وهو الكبير .. قال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة) صححه الألباني [السلسلة الصحيحة (109)] ؟!!
ولا نقصد من الكلام عن رفع المستوى المعرفي والتعبدي لدى المؤمن عند تعامله مع خالقه بأسمائه وصفاته؛ بأن يتحدى بها؛ أو يقترح على الله شيئا يفعله .. كلا .. كلا .. إنما المقصود هو التعامل القلبي بصدق مع هذه الأسماء الحسنى؛ حتى يمتلئ القلب تعظيما لله سبحانه .. واقرأ ما سطره الإمام ابن سعدي فِي تعظيم موضوع الأسماء والصفات؛ قال: “المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته؛ وتعبده بها لله، لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها، وهي أفضل العطايا من الله لعبده ، وهي روح التوحيد ورَوحه، ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص؛ والإيمان الكامل الذي لا يحصل إلا للكُمّل من الموحدين” انتهى كلامه [القول السديد (١٨١)] !!
فالحمدلله على سماحة دين الإسلام؛ الذي عرفنا بالله تعالى حق المعرفة !!
اللهم حرر المسجد الأقصى .. اللهم احفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على اليهود الغاصبين !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..