التأمل المفيد (٣٤٤)

الحلقة الثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} [الأعراف: ١٠١] !!

أبدأ المقال بسؤال يطرح نفسه: ما الحِكم البالغة التي نستشفها من وراء سرد ربنا تعالى تاريخ الأمم السابقة؛ المؤمنة منها والكافرة؟

الجواب: سرد ربنا تعالى تاريخ الأمم السابقة لحِكم كثيرة وعظيمة؛ أقف عند ثلاثة منها؛ على وجه الاختصار:

أولا:

بيان أن تاريخ البشرية -منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام؛ وإلى قيام الساعة- هو ليس تاريخ ضخامة أو ضآلة ما عمّروا من هذه الأرض، إنما تاريخهم هو تاريخ قبولهم للتوحيد؛ أو رفضهم له .. نعم إنه التوحيد الذي خاطبهم الله به قبل خروجهم من أرحام أمهاتهم؛ حين استخرجهم سبحانه من ظهر أبيهم آدم عليه السلام .. روى أحمد بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا: (أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان -يعني: عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قِبَلا، قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ…} الآية إلى قوله تعالى:{الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف : ١٧٢-١٧٣] صححه الألباني [المشكاة (117)] !!

 وهذا نص الميثاق الذي خاطبهم الله تعالى به: عَنْ أبي بن كعب فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ‬{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ۖ} [الأعراف: ١٧٢]‫، قَالَ : “جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالَ : فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ، أَنْ تَقُولُوا : يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا رَبَّ غَيْرِي فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، إِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي، قَالُوا : شَهِدْنَا بِأَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، ولا إِلهَ لَنَا غَيرُك، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ”‬[حسنه الألباني في هداية الرواة (١١٨)] أثر أبيّ بن كعب رضي الله عنه [حسنه الألباني في هداية الرواة (١١٨)]‫ !!‬‬

وعليه فلا ننخدع نحن أهل الإسلام بمسميات الحضارات السابقة والحاضرة -بين فينيقية أو فرعونية أو غربية أو شرقية بلشفية- بل كلها حضارات مادية -تمردت على خالقها-؛ يقابلها الإسلام والتوحيد؛ الذي هو دعوة جميع الرسل؛ خلال تاريخ البشرية الطويل، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦] !!

ثانيا:

كذلك سرد ربنا تاريخ الأمم السابقة لبيان أنه سبحانه المالك لكل ذرة في السماوات والأرض، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبإ: ٢٢ !!

ولأنه سبحانه مالك كل ذرة في السماوات والأرض؛ يفعل بها ما يشاء؛ فقد فعل بالأمم السابقة ما شاء؛ وفق ما تقتضيه حكمته سبحانه !!

فأمّا المكذبون -كعاد مثلا- فهذا نص ما فعل الله تعالى بهم: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ • مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: ٤١-٤٢] !!

وأمّا اليهود؛ الذين ابتليت البشرية بإفسادهم المستمر، قال تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: ٦٤]؛ فقد خصهم الله بتهديد يناسب إفسادهم المستمر، قال تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء : ٨] !!

وفي المقابل ينصر الله الرسل عليهم السلام؛ وينصر الذين آمنوا، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١] !!

ثالثا:

كذلك من حكمة سرد ربنا تعالى لتاريخ الأمم السابقة: بيان سننه سبحانه التي يجريها على عباده؛ وأنها سنن لا تتبدل ولا تتحول، قال تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: ٤٣] !!

من هذه السُّنن: سُنتان متداخلتان: الأولى: أن العذاب حتما سينزل في هذه الدنيا بكل أمة مكذبة، قال تعالى: {وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء: ٥٨].
والثانية: أن عذاب المكذبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لا ينزل في هذه الدنيا حسب رغبة أحد، إنما له وقت لا يتقدم ولا يتأخر؛ ولا يعلمه إلا الله تعالى وحده، قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [العنكبوت: ٥٣] !!

فالحمدلله على سماحة دين الإسلام؛ الذي بصّرنا بتاريخ الأمم السابقة لنستشف منه الدروس والعِبر !!

اللهم حرر المسجد الأقصى .. اللهم احفظ المسلمين في فلسطين !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!