الحلقة التاسعة والعشرون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: ٨٣] !!
من أعظم ثمرات قراءة القرآن الكريم والسنة المطهرة بتدبر؛ هي تربية المسلم -المستقيم على صراط الله تعالى- ليكون قوي الحجة؛ قوي البيان، حيث يحتاج ذلك في دعوته إلى الله تعالى؛ الممتدة طوال سني عمره في هذه الدنيا !!
وعليه؛ فإن الفرق شاسع والبون هائل بين حجج المسلم -التي يستقيها من كلام خالق السماوات والأرض؛ ومن أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حول كافة موضوعات العقائد والتعاملات- الفرق شاسع بين المسلم في ذلك وبين أعظم مفكري الحضارة المادية الذين يستقون حججهم من ضلالات الفلاسفة كأفلاطون وسقراط؛ ومن كتب الأديان المحرفة المبدلة؛ ومن فلسفات الملاحدة المعاصرين !!
ويكفي المسلم -الذي أقبل على كتاب ربه تعالى؛ وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم؛ تعلما وتدارسا؛ بإخلاص وصدق؛ ليرقى في علوم الإسلام؛ وتقوى حجته- يكفيه فخرا أن يشمله الذكر في هذه الآية العظيمة: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨] !!
وفيما يلي أمثلة مختارة لحجج يطرحها المسلم؛ يجريها الله تعالى على لسانه بيسر وسهولة؛ عند نقاش كافة موضوعات العقائد والتعاملات، من ذلك:
يكثر في عصرنا على لسان الكثير من أبناء الحضارة المادية ذكر الطبيعة وكأنها إله فعّال؛ يأتي بالزلازل والأعاصير وغيرها -زعموا- مما يُقدِّره الله تعالى في أرضه على خلقه .. عندها يتذكر المسلم مباشرة رد الله تعالى على أمثالهم؛ ممن اتخذوا آلهة صماء بكماء لا تتكلم؛ ولا تتدخل في توجيه حياة البشر -كما كان حال سدنة الأصنام من كفار قريش؛ ليضمنوا السيطرة على أتباعهم-، إذ يتكرر الحال اليوم بالنسبة للمتنفذين في الحضارة المادية؛ من فلاسفة مُنظِّرين؛ ومن أصحاب رؤوس الأموال؛ الداعمين لشركات الإعلام؛ للحديث عن الطبيعة؛ وتصويرها للبسطاء إلها من دون الله .. قال تعالى في بيان أن الإله لا يمكن له إلا أن يكون متكلما: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: ١٤٨] .. ألا ما أقواها من حجة ربانية دامغة !!
كما نجد في عصرنا من أعياه جهله -من أبناء الحضارة المادية- عن معرفة الحق من خلق السماوات والأرض؛ فيقف فاغرا فاه يقول: لا أعلم سببا لوجودهما .. مع إقرارهم أن أقل الناس عقلا وأشدهم بلادة؛ من يرى منشأة ضخمة بمرافقها المتعددة -كمحطة كهرباء مثلا- ثم يرى أنه لا هدف من وراء هذه المنشأة؛ ولا احترام لمؤسسها .. فيتذكر المسلم مباشرة حجج القرآن في بيان أعظم حق من خلق السماوات والأرض؛ وهو معرفة الله تعالى؛ وأنه عليم قدير، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢] .. معرفة تحتم عبادة الخالق العظيم وحده .. ألا ما أقواها من حجج ربانية دامغة !!
وحينما يتباهى أرباب الحضارات المادية بما يضخونه للعالم من صناعات متنوعة؛ ليبهروا العالم بتقدمهم المادي؛ متسببين بذلك في نفور الناس عن الدين؛ وزيادة تعلقهم بالدنيا الفانية .. عندها يعلن المسلم للناس حجته؛ وأن المُسخِّر الأعظم لكل ما يحتاجونه لصناعاتهم هو الله، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: ١٣] .. وتفصيل هذا التسخير وعظمته تبينه آي الكتاب الكريم .. الماء على سبيل المثال لا الحصر؛ ليس المُسخَّر منه للناس -خزانات مياه؛ هنا وهناك- ولكنه أكبر من ذلك بكثير؛ وبما لا تستطيع الأرقام أن تعكسه .. إنها بحار وأنهار ووديان، قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ} [الأنعام: ٦] .. ولا ينتهي حديث القرآن عن ضخامة وكثرة ما سخر الله تعالى للناس من واسع خزائنه .. ألا ما أقواها من حجج ربانية دامغة !!
ومن مصائب هذا العصر أن جعل أرباب الحضارة المادية من استحلال العلاقات المحرمة والشذوذ؛ معيارا للتقدم الحضاري فيما يسمونه بالحرية الشخصية .. فيتذكر المسلم فورا الحجة الدامغة في اشتراط العمل الصالح -بعد الإيمان بالله تعالى؛ على امتداد تاريخ البشرية الطويل- حتى يرضى عنهم سبحانه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٦٢] .. فمعيار تقدم الفرد أو المجتمع في الخيرية؛ أو انحدارهم نحو الشر؛ أمر جلل؛ قد تولاه ووضع معياره الله العليم الحكيم .. ألا ما أقواها من حجج ربانية دامغة !!
فيالله ما أعظم سماحة الإسلام !! أربع آيات فقط -وفق الله تعالى لاختيارها في هذا المقال- يقيم بها المسلم الحجة في موضوعات مهمة .. فكيف بتدبر باقي الآلاف من آي الكتاب الكريم؛ والآلاف من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟!!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!