الحلقة الثالثة والعشرون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣]، الآية الكريمة تتحدث عن حد الحِرابة، قال فيه أهل التفسير: “وهو جزاء الذين يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، ويفسدون في الأرض بقتل الأنفس، وسلب الأموال !!
جاء في السيرة النبوية المطهرة عن إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحد الحِرابة: (أنَّ نَفَرًا مِن عُكْلٍ ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبَايَعُوهُ علَى الإسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الأرْضَ، وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذلكَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: أَلَا تَخْرُجُونَ مع رَاعِينَا في إبِلِهِ، فَتُصِيبُونَ مِن أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَقالوا: بَلَى، فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِن أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الإبِلَ، فَبَلَغَ ذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَأُدْرِكُوا، فَجِيءَ بهِمْ، فأمَرَ بهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وَسُمِرَ أَعْيُنُهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا في الشَّمْسِ حتَّى مَاتُوا. وقالَ ابنُ الصَّبَّاحِ في رِوَايَتِهِ: وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ، وَقالَ: وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ) [رواه البخاري (٥٧٢٧)!!
وإذا كان حد الِحِرابة أقامه صلى الله عليه وسلم على نفر من المفسدين؛ فإن أرباب الحضارة المادية بحاجة إلى أن يستسلموا لخالقهم العظيم؛ وشرعه القويم؛ ليقيموا حد الحِرابة على مرتكبي فساد عظيم ظهر في مجتمعاتهم البئيسة، وهو خطف المجرمين للناس فيما يسمى بالاتجار بالبشر، (Human trafficking)؛ كما سيأتي بيانه !!
وقبل الحديث عن ظاهرة جريمة الاختطاف في مجتمعات الحضارة المادية، أجدني مضطرا للتطرق إلى قضية الأمن هناك؛ وسبب تدنيه، بالرغم من حجم قوات الشرطة المهولة؛ وكاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان؛ والتقدم الهائل في مجال التقنية الإلكترونية؛ لرصد المكالمات؛ والقدرة على تتبع استخدامات الشبكة العنكبوتية من قِبل المتهمين؛ ونشر ثقافة الأمن السيبراني !!
لقد جاءت النصوص الشرعية مؤكدة أن حصول الأمن في المجتمعات مقترن بالإيمان بالله تعالى العظيم؛ والعمل بشرعه القويم، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢] .. فحمدا ثم حمدا لله على ما منّ به على مجتمعات المسلمين من أمن وأمان .. أمّا من كفر بربه وخالقه؛ ونبذ شرعه؛ فمن أين عساه يجلب لنفسه ولمجتمعه الأمن والسلامة والطمأنينة ؟!
الاختطاف في مجتمعات الحضارة المادية ترقّى من السيء إلى الأسوأ .. من اختطاف الأطفال من قبل أحد الوالدين؛ إلى أخطرها: وهو ما أسموه بالاتجار بالبشر !!
ولعلي أبدأ بالحديث عن أسوأ أنواع الاختطاف في مجتمعات الحضارة المادية، وهو: الاتجار بالبشر (Human trafficking):
التعريف: الاتجار بالبشر جريمة تنطوي على إجبار شخص -بطرق إجرامية مختلفة- على تقديم عمالة أو خدمات؛ أو الانخراط في أعمال جنسية بهدف الإثراء المالي .. وهذه بعض الإحصاءات عن هذه الجريمة النكراء؛ وهذا الفساد العظيم!!
في مقال بعنوان: (Human Trafficking Statistics & Facts) جاء فيه:
يقدر عدد ضحايا الاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم بنحو (٢٤،٩) مليون ضحية .. ويقسمون على النحو التالي:
(١٦) مليون للعمالة القسرية في الاقتصاد الخاص؛ غير الحكومي !!
(٤،٨) مليون للاستغلال الجنسي القسري !!
(٤،١) مليون للعمالة القسرية في الاقتصاد الحكومي !!
ويشكل النساء نسبة (٧١٪) من جميع الضحايا البالغ عددهم (٢٤،٩) مليون !!
وأمّا عن قيمة ما يجني مجرمو الاتجار بالبشر من مال؛ فقد جاء في مقال بعنوان: (Cracking The $150 Billion Business Of Human Trafficking) أن المبلغ يقدر بمائة وخمسين مليار دولار سنويا في جميع أجزاء المعمورة !!
ويبقى أن أنوه في هذا المقال إلى أخف أنواع الاختطاف في مجتمعات الحضارة المادية -بالرغم من أن المختطفين فيه أعدادهم فلكية؛ لكنه لا يستوجب عقابا- وهو ما يسمونه بالاختطاف الأسري .. في مقال بعنوان: (The Truth About Child Abduction Statistics in 2023)؛ جاء فيه:
يتم اختطاف (٢٣٠٠ طفل) يوميا في الولايات المتحدة .. (٩٩٪) من هؤلاء الأطفال يتم اختطافهم من قبل أحد الوالدين .. وغالبًا ما تحدث هذه في خضم معارك الطلاق المرير؛ أو حضانة الأطفال بين الوالدين .. وسرعان ما يتم حل مشكلتهم؛ وإرجاعهم؛ بتدخل الشرطة في غالب الحالات !!
هذه الأعداد الكبيرة من الأطفال المختطفين من قِبل أحد الوالدين؛ تعكس أُسرا مفككة كنتيجة حتمية للعلاقات المحرمة .. ولو كانوا يؤمنون بالله تعالى وينقادون لشرعه القويم لوجدوا في سماحة الإسلام الحلول الربانية التي أنزلها الله تعالى لرعاية الأطفال في بيوت تقوم على الزواج الشرعي؛ أو حتى في حال الطلاق، من ذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} الآية [البقرة : ٢٣٣] !!
فالحمدلله على سماحة شريعة الإسلام !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!