الحلقة الحادية والعشرون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ} [طه: ١١٦] !!
أن ينحدر الإنسان من تلك المكانة العالية التي أرادها الله تعالى له -حيث أسجد له الملائكة الكرام عليهم السلام- أن ينحدر إلى أن يكون أضل من الأنعام؛ هو تماما ما تفعله الحضارات المادية بالإنسان خلال تاريخ البشرية الطويل !!
ولا شك ولا ريب أن إبليس الرجيم كان أول من ازدرى الإنسان؛ ونظر إليه نظرة دونية .. حكى لنا القرآن الكريم قول إبليس بعد رفضه السجود لآدم عليه السلام: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: ١٢] !!
وعلى خُطى إبليس؛ تعاضد وتعاون على الحط من مكانة الإنسان السوية؛ ملل ونحل منحرفة؛ وفلسفات وأطروحات خبيثة !!
منها: التصور المنحرف للملة النصرانية التي زعمت أن آدم عليه السلام ورّث ذريته الخطيئة بمعصيته لله تعالى؛ فصار الإنسان يولد -في نظر النصرانية- شريرا .. ممّا دعاهم إلى ابتداع خرافة شركية تنفر منها الفِطْر السليمة؛ حين ادعوا أن الإله ضحى بابنه ليُصلب من أجل تكفير خطايا بني آدم .. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .. وهم بذلك يعارضون النصوص الشرعية التي تدل على أن البشر يخرجون من بطون أمهاتهم وليس عليهم خطايا أو ذنوب .. في حديث عمرو بن عبسة الطويل عن الوضوء، قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (ثُمَّ يَقومُ فيَحمَدُ اللهَ عزَّ وجلَّ ويُثني عليه بما هو أهلُه، ثُمَّ يَركَعُ رَكعتَينِ، إلَّا انصرَفَ من ذُنوبِه كهَيئتِه يومَ ولَدَتْه أُمُّه) [صححه شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن الدارقطني (378)] !!
وأنا لن أستطرد في نقض النظرية الدارونية التي أرجع فيها دارون الخبيث الإنسان إلى سلالة القرود، والله تعالى قد بين في كتابه الكريم أنه خلق آدم بيده، قال تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: ٧٥] !!
كذلك لن أستطرد في نقض فلسفات وتخرصات أخرى؛ تحط من مكانة الإنسان الرفيعة -فرويد مثالا- لتهوي به صريعا في مستنقع شهوة الجنس؛ المنفلتة عن منهج الله تعالى؛ الذي حث على النكاح الصحيح، قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢] !!
إنما الذي يعنيني في هذا المقال هو الموضوع الأكثر إثارة للجدل في الحضارة المادية في هذه الحقبة من الزمان؛ وهو موضوع تحديد جنس الإنسان؛ ويطلقون عليه الجندر: (GENDER) .. فقد خرج بعض فلاسفتهم ينفثون سمومهم لازدراء الإنسان -كالفيلسوفة الأمريكية اليهودية (Judith Butler) صاحبة كتاب: مشكلة الجنس (Gender Trouble)- خرجوا يُنظِّرون لشعوبهم أن جنس الإنسان لا تحدده الذكورة والأنوثة عند الولادة؛ مع أن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ} [الحجرات: ١٣] .. وادعوا بأن الذي يحدد جنس الإنسان هو تفاعله ومشاعره مع من حوله من الناس؛ ومع بيئته؛ ومع باقي المخلوقات .. بمعنى أنه قد يقتنع بعض المرضى نفسيا -بعد أن غزت فكره هذه الفلسفة الخبيثة- بأنه ليس إنسانا؛ وأنه من جنس الحيوان .. كأن يعلن للناس أنه من جنس الكلاب، وقد فعل بعضهم ذلك .. وأخطر ما في الأمر؛ أن جعلوا هذا العبث من الحرية الشخصية -المزعومة- لكل إنسان؛ يعاقب عليها القانون لو اعتدى أحد عليها ولو بالنقد !!
والمدهش في عظمة القرآن الكريم أنه قد سبق وشبه المتمردين على الله تعالى وعلى منهجه القويم تارة بالكلاب؛ وتارة بالحمير، فليهنأ بهذه الأوصاف القرآنية الذميمة من ظن أن جنسه من جنس الحيوانات؛ فهم أولى الناس بها، قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [الأعراف: ١٧٦]، وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥] !!
وللإنصاف أقول: إن من أعلن من اتباع الحضارة المادية أنه من جنس الكلاب؛ عدد قليل، ومقاطع هذه الانتكاسات الفطرية موجودة على قناة اليوتيوب تحت عنوان (الكلاب البشرية) !!
غير أن من أخطر وأفسد ما ابتدع المنظرون المفسدون في موضوع جنس الإنسان؛ هو نشر قائمة من مائة وسبعة جنسا -أغلبها من المثليين الشاذين؛ مع فروقات بين هذه الأجناس الشاذة المزعومة. (المرجع: How Many Genders Are There? Gender Identity List)- على الشبكة العنكبوتية؛ تختار منها النفوس المريضة ما يحلو لها من جنس .. ولن يمنعهم أحد من هذا الفعل المشين إلا أن يسلموا لله تعالى؛ حتى ينجوا من العذاب الأليم، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: ٢٩] !!
لكن على المفسدين من منظري الحضارة المادية أن يدركوا: أن هذه الفلسفات المنحرفة في موضوع جنس الإنسان لن تجد لها في نفوس المؤمنين قبولا، بل إن ذلك يزيد من إيمانهم بكتاب ربهم العظيم؛ وما جاء فيه عن تكريم الإنسان وتفضيله !!
فالحمد لله على سماحة دين الإسلام؛ دين الفطرة السوية !!*
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!