الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ} [البقرة: ١٩٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
من سماحة الإسلام -دين الحنيفية- أن جعل بين رحلة الحج لبيت الله الحرام -المقيد بزمن محدود- والعمرة -المفتوحة طوال العام- جعل بينهما وبين رحلة الحياة الدنيا قواسم ثلاثة مشتركة عظيمة !!
وقبل طرح القضايا الثلاثة العظيمة التي أودّ طرحها عن الحج والعمرة؛ وعلاقتهما برحلة الحياة الدنيا؛ نذكِّر أنفسنا بأمر مشترك بين الرحلتين: هو أن كليهما يجب أن يؤديها الإنسان خالصة لله رب العالمين، قال تعالى عن رحلة الحج والعمرة: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ}، وقال تعالى عن رحلة الحياة: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : ١٦٢] !!
ثلاث قضايا إسلامية كُبرى يعيشها المسلم خلال حجه أو عُمْرته؛ لابد أن يعيشها طوال حياته حتى يلقى الله تعالى:
القضية الأولى: الاستسلام لله تعالى:
الاستسلام لله تعالى واتباع نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم- في كيفية أداء النسك .. هذا الاستسلام لله تعالى؛ هو ما يحتاج أن يتصف به المسلم في عمره كله؛ في اعتقاده وعباداته وتعاملاته !!
ولا أدل على ذلك النهج القويم في الاستسلام لله الحكيم العليم -في الحج والعمرة- من فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- حيث كانوا يتبعون النبي -صلى الله عليه وسلم- في كيفية أداء نسكهم، ويسألونه لو خفي عليهم منه شيء؛ وهو يجيبهم عليه الصلاة والسلام !!
وكذلك كانوا مستسلمين لمنهج الله تعالى في رحلة عمرهم كلها؛ بسؤالهم عن أمور دينهم -سواء أوقات سلمهم أو جهادهم- حيث أورد لهم القرآن الكريم أكثر من عشرة أسئلة، هذه بعضها:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ} [البقرة: ٢١٩] !!
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} [البقرة: ٢١٥] !!
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ} [البقرة: ٢٢٠] !!
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] !!
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: ٤] !!
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ} [الأنفال: ١] !!
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: ٢١٧] !!
كلها أسئلة تعكس إيمانهم العميق بأن أحكام دينهم نعمة وهدى وسعادة للبشرية من خالقهم الرحمن الرحيم .. ومن أجمل ما قاله بعض السلف في الاستسلام لمنهج الله تعالى الذي ارتضاه لعباده: “قَدَمُ الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم” [شرح السنة للبغوي (١٧١/١)] !!
القضية الثانية: رقابة الله تعالى:
إذ بعد المرور بالميقات ثم التلبية؛ نجد أن رقابة الله تعالى هي سمة كل حاج أو معُتمِر عند أداء نسكه؛ مبتعدا عن كل محظور لإحرامه .. هذه الرقابة هي ما يحتاجه المسلم في حياته كلها؛ خصوصا بعد مروره بميقات رحلة حياته -عند بلوغ سن الرشد والتكليف- حين يبدأ الملكان يسجلان علينا كل صغيرة وكبيرة .. ميقات يبدأ عند الخامسة عشرة من العمر؛ أو عند الاحتلام؛ أو الحيض عند النساء .. ولا ينتهي ذلك الميقات إلا عند الممات، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩] !!
وإذا كانت رقابة الله تعالى حاضرة عند المُعتمِر؛ وهو في ذلك الجو الإيماني؛ عند الكعبة المشرفة؛ ومع الطائفين والقائمين والركع السجود؛ فهو أحوج ما يكون إليها في رحلة الحياة؛ حيث الشهوات والشبهات أكثر وجودا وحضورا !!
فهلا انتبهنا أننا قد مررنا بميقات رحلة الحياة الدنيا !!
القضية الثالثة: التوبة إلى الله تعالى:
إن مسح الطائف بالبيت على الحجرين أو أحدهما -إن استطاع؛ عند أداء نسكه- هو أداء لعبادة التوبة إلى الله تعالى؛ راجيا منه محو ذنوبه؛ بطريقة عملية خص الله تعالى بها بلده الحرام، قال صلى الله عليه وسلم: (إن مسحهما كفارة للخطايا) [صححه الألباني في صحيح الترغيب (١١٣٩)] .. كما يلهج بالتوبة والاستغفار في ذكره لله تعالى أثناء طوافه وسعيه !!
وكذلك ينبغي على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى في رحلة الحياة الدنيا على الدوام، فقد كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله تعالى في اليوم مائة مرة، قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٤٥٢)]، وفِي آية سورة التوبة بدأ تعالى في مدح المؤمنين بأنهم التائبون؛ فقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١١٢] !!
اللهم يسر للحجاج حجهم .. وتقبل منا ومنهم الطاعات !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!