التأمل المفيد (٣٢٧)

الحلقة الثالثة عشرة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٩٠]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

تدبري للآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- سيكون من شِقين:

أولا: الأمة المسلمة:

إن من أعظم ما يحمله موضوع حث الناس على فعل الخير؛ وتحذيرهم من الوقوع في الشر من معان قيمة: هو أن المسلم إن فعل ذلك؛ فإنه يرتقي إلى فِعل أمر يحب الله تعالى فِعله؛ ويفعله هو سبحانه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٩٠]، ولذا كان من سماحة الإسلام أن خاطب الله تعالى الأمة المسلمة -جميعها- لتفعل ما يفعله ربهم وخالقهم، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة: ٧١] !!

ولمّا أدركت الأمة المسلمة أن نفع الناس -وأقله؛ حثهم على فعل الخير؛ وتحذيرهم من الوقوع في الشر- هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٩٠٦)] .. لمّا أدركت الأمة المسلمة ذلك؛ راح أفرادها يتنفسون نفع الناس -في الصباح والمساء- إمّا بنصح؛ أو دلالة على خير في شتى جوانب الحياة -الاجتماعية والثقافية والصحية وغيرها- أو تحذيرهم من شر؛ طمعا فيما عند الله تعالى من الأجر والثواب !!

بل إن المسلم الذي لا يكره بقلبه؛ الشر الذي يقع فيه أخوه المسلم -والكراهة بالقلب أقل درجات بُغض الشر- فإن ذلك دليل على ضعف إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيدِه فإن لم يستطعْ فبلسانِه، فإن لم يستطعْ فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمانِ) [رواه مسلم (٤٩)]، وكأنما قد فقد -هذا الذي لا يكره بقلبه وقوع أخيه في الشر- كأنما فقد الحب؛ الذي هو من أقوى المشاعر تجاه المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) [متفق عليه] !!

ثانيا: الحضارة المادية المعاصرة:

أمّا الحضارة المادية المعاصرة؛ فقد وقفت من الفعل الذي يحبه الله تعالى -{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}- موقفا أبعد ممّا كان عليه اليهود في غابر الزمان؛ الذين قال الله تعالى فيهم: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: ٧٩] !!

فلم يعد الأمر عندهم هو عدم التناهي عن المنكر فقط؛ بل راحوا يعرِّفون المنكر؛ وينكِّرون المعروف؛ فانتقلوا بذلك من الوصف القرآني: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}؛ إلى وصف قرآني أدهى وأمر، قال تعالى: {ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة : ٦٧] !!

لقد ابتدع أرباب الحضارة المادية -بعد شركهم بالله تعالى- منهج حياة لأنفسهم؛ أباحوا فيه سلوكيات يبغضها الله تعالى ويحرِّمها -كالعلاقات الجنسية المحرمة؛ والشذوذ؛ والتبرج والسفور؛ والإجهاض؛ وشرب الخمور- قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٣١] !!

وكانت النتائج الحتمية لهذا المنهج الضال -المخالف للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها- وقوع جرائم مأساوية؛ بأرقام فلكية؛ في مجتمعات الحضارة المادية !!

وكان لابد من مواجهة هذه الجرائم المتزايدة؛ بدراسة مسبباتها؛ ثم اختيار أنجح الحلول لاجتثاثها من جذورها .. لكن بدلا من الرجوع إلى الدين الحق؛ ومنع العلاقات المحرمة؛ ومنع شتى أنواع التبرج والسفور والفجور والخمور .. إذ بهم يُسخِّرون جيشا جرارا من رجال الشرطة لحماية ممارسة أهل تلك الحضارة لتلك السلوكيات المعيبة -حمايتها من المجرمين الذين لم تكفهم تلك الإباحية؛ التي نظمها وشرعها لهم القانون؛ بل يطمعون في المزيد منها- ففي إحصائية عام ٢٠٢١ من الميلاد بلغ تعداد رجال الشرطة في أمريكا لوحدها: (٦٦٠،٢٨٨) (ستمائة وستين ألفا ومائتين وثمانية وثمانين)[Statista Research Department] .. لكن الجرائم لم تنحسر؛ بل زادت وتنوعت؛ لاستمرار وجود وقودها؛ من التبرج والسفور وشرب الخمور؛ الذي يلهب ويشعل غرائز وشهوات المجرمين !!

وكم يشتد عجبي من الحضارة المادية المعاصرة؛ واهتمامها الشديد بالمواصفات والمعايير الصحيحة؛ ومقاييس الجودة الشاملة؛ للتأكد من جودة: الأطعمة والأشربة؛ وسلامة الطرق؛ وغيرها من كل ما يحتاجونه لمعيشتهم -وهو أمر جيد ومحمود ومطلوب- ثم تركوا الإنسان -الذي كرمّه الله تعالى- يتخبط في حرية شخصية -زعموا- بدون معايير لقيم صحيحة؛ أو أخلاق رفيعة .. تركوه في حرية لا يرضاها حتى الحيوان، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤] ؟!!

فالحمد لله أن جاء بالإسلام -دين الحنيفية السمحة- ذلك المنهج الرباني الحكيم؛ الذي يهدي المسلم للتي هي أقوم في كل أموره .. عقائده؛ وعباداته؛ وقيمه؛ وأخلاقه؛ وتعاملاته !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!