الحلقة التاسعة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!
قال الله تعالى: {تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} [الأعراف: ١٠١]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
معرفة تاريخ البشرية الصحيح -كما بينت الآية الكريمة التي هي موضع التأمل- وأخذ العِبَر والدروس منه؛ أمر غاية في الأهمية .. ولذا فإن من سماحة دين الحنيفية -الإسلام- أن سرد لنا في الكتاب الكريم والسنة المطهرة؛ تاريخا صادقا لوقائع من حياة البشرية على هذه الأرض؛ ينتفع بها أولو الألباب؛ ليجنوا منها مزيدا من الاستقامة والرشاد؛ ويعرض عنها أهل الغفلة والضياع؛ فيبوؤا بالحسرة والخسران !!
ونستطيع أن نجزم واثقين من كلام ربنا تعالى؛ أن تاريخ البشرية الطويل إنما هو تاريخ الإسلام -تاريخ من قَبِل الإسلام فعز وارتفع، وتاريخ من أعرض عن الإسلام؛ فخسر وانتكس- قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣]، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين”[تفسير الطبري (4/ 275)] !!
وإني لأستغرب كل الاستغراب من إعراض أرباب الحضارات المادية -على مر القرون- عن تاريخ الأمم؛ الذي جاء خبره مع الرسل عليهم السلام؛ وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم .. ولو اهتموا بالتاريخ الصحيح؛ وانتفعوا بما فيه من عِبر لنجوا من الكوارث؛ والسقوط المدوي لكثير من الحضارات !!
وليتهم استفادوا من تجربة صحابي جليل -كان قبل إسلامه يهوديا- حين تأمل فيما ورد من وقائع تاريخية في كتابه التوراة؛ فنجا من الكفر وأسلم .. إنها قصة عبدالله بن سلام -رضي الله عنه- الذي عَلِم من التوراة عن زمان ومكان مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وأوصافه .. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وسأله بعض الأسئلة؛ ثم أسلم [رواه البخاري (٣٣٢٩)] !!
إن أرباب الحضارة المادية مُعرِضون عن البحث عن وقائع التاريخ البشري من مصادره الموثوقة؛ الكتاب والسنة؛ مع أنهم مخاطبون به؛ كما خاطب الله تعالى قريشا قبلهم، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد: ١٠]، وعليه أقول وبالله التوفيق !!
إذ كيف يُغفِل المعنيون باستشراف المستقبل -من التاريخيين من أرباب الحضارة المادية- تضمين دراساتهم تاريخ البلد الحرام؛ وأثره على البشرية ؟! مع أن تاريخ مكة بدأ يوم خلق الله السماوات والأرض، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ) [متفق عليه]، وينتهي هذا البلد بنهاية الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام:(لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٧٤١٩)]، وفيه وضع الله تعالى بيته الحرام، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٦] .. فها هو البيت العتيق يراه كل الناس -ومنهم أرباب الحضارة المادية- شامخا عزيزا عبر القرون؛ منذ وضعه الله تعالى .. ألا ما أعظم خسارة من تجاهل تاريخ هذا البلد العظيم؛ مكة المكرمة !!
ثم كيف لا ينتفع أرباب الحضارة المادية من حدث تاريخي كبير وعظيم وقع في هذا البلد الحرام قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام؛ هو مبعث خاتم المرسلين؛ محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] ؟!!
أم هل عموا عن تاريخ دولة أقامها هذا النبي العربي الأُمّي صلى الله عليه وسلم -المُبشر به في كتبهم- في المدينة؛ أطاحت بعد نشأتها بزمن يسير بإمبراطوريتي فارس والروم ؟!!
أمّا عن الأحداث التاريخية المستقبلية؛ فكذلك بين لنا الكتاب العزيز والسنة المطهرة أحداثا عظيمة ستقع، من أهمها:
أشراط الساعة -وهي وقائع وأخبار تاريخية مهمة- قد حفِلت باهتمام كبير في الكتاب والسنة .. فأين أرباب الحضارة المادية منها ؟!!
أين هم من أشراط الساعة الصغرى؛ التي تنبأ بها صلى الله عليه وسلم؛ كتقارب الزمان الذي صار يعرفه كل الناس في هذا العصر؛ بسبب سرعة وسائل المواصلات؛ وسرعة وسائل الاتصالات ؟؟!! ولو اعتنوا بمعرفة أشراط الساعة الصغرى؛ لكان ذلك مدعاة لهم لمعرفة صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم !!
ثم أين هم من أشراط الساعة الكبرى ؟! وهي وقائع تاريخية كُبرى ستقع في آخر الزمان، من ذلك:
نزول عيسى عليه السلام، وهو حدث تاريخي مستقبلي عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نفسي بيدِه ليوشِكنَّ أن ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حَكمًا مقسطًا فيَكسرُ الصَّليبَ ويقتلُ الخنزيرَ ويضعُ الجزيةَ ويفيضُ المالُ حتَّى لا يقبلَه أحدٌ) [متفق عليه]، إنه حدث فيه نصر للتوحيد وأهله؛ وذل للشرك وأهله .. فهل يلتفت إلى هذا الحدث العظيم أرباب الحضارة المادية؛ ويتوب النصارى منهم من عبادة الصليب ؟!!
فيا لسماحة دين الحنيفية -الإسلام- حيث سرد للناس وقائع من تاريخ البشرية -ماضيها وحاضرها ومستقبلها- ليعتبر الذين يعقلون من دروسه العظيمة؛ ويخسر المعرضون !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!