التأمل المفيد (٣١٩)

 الحلقة التاسعة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية”، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!

قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} [طه: ٨] !!

من الدوافع العظيمة لحفظ القرآن الكريم؛ حديث شريف جمع بين أسماء الله تعالى الحسنى وبين القرآن العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حَزَنٌ فقال اللهمَّ إني عبدُك ابنُ عبدِك ابنُ أمَتِك ناصيَتي بيدِك ماضٍ فيَّ حُكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أوْ علَّمْتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو أنزلته في كتابِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزني وذهابَ هَمِّي إلا أذهب اللهُ همَّه وحُزْنَه وأبدله مكانه فَرَجًا) فقيل: يا رسولَ اللهِ ألا نتعلمُها؟ فقال: (بلى ينبغي لِمَنْ سمِعها أنْ يتعلمَها) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٩٩)] !!

إن ورود الدعاء بأسماء الله تعالى الحسنى -في الحديث-؛ بأن يجعل الله تعالى القرآن العظيم ربيع قلب المؤمن؛ ونور صدره؛ وجلاء أحزانه وهمومه؛ يدفع المسلم دفعا كبيرا إلى الاهتمام بحفظ القرآن الكريم -أو بعضه- ليجمع بين الخيرين اللذين جاء ذكرهما في الحديث الآنف الذكر؛ كتاب الله تعالى؛ وأسمائه الحسنى .. ذلك أن القرآن الكريم: أمر بالعلم بالله تعالى، كما بين القرآن أن المقصد الأعظم من خلق الكون؛ وجعل الكعبة للناس -كما سيأتي بيانه- إنما هو لمعرفة الله تعالى !!

وقد اهتم العلماء ببيان معنى العلم بالله تعالى؛ وأهميته، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “اقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين، وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه؛ بأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها، وإن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية تابعة لمعرفة المرجو المخوف المحبوب المطاع المعبود”[الصواعق المرسلة (1/ 150-151)] !!

فدعونا نقف ثلاث وقفات: أولا: مع القرآن الكريم وأمره بمعرفة الله تعالى، وثانيا وثالثا: مع بيان القرآن: أن المقصد الأعظم من خلق الكون؛ ووضع الله تعالى بيته الحرام في مكة؛ إنما هو كذلك للمعرفة بالله تعالى:

أولا: القرآن الكريم: 

أمرنا تعالى في القرآن الكريم أن نتعرف إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ في آيات كثيرة منها: قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩]، وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: ٢٣٥]، وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: ٢٦٧] .. كما ذكر تعالى في أواخر سورة الحشر مجموعة كبيرة من أسمائه سبحانه بعد قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: ٢١] .. فتبين أن المقصود الأعظم من إنزال القرآن الكريم؛ وما أنزل الله تعالى قبله من الكتب إنما هو هذا المقصد العظيم .. معرفة الله تعالى !!

ثانيا: خلق الكون: 

أخبرنا تعالى أن المقصود الأعظم من خلق الكون -السماوات والأرض وما فيهن- إنما هو معرفته والعلم به سبحانه؛ فقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢] .. نلاحظ قوله تعالى في الآية الكريمة: {لِتَعْلَمُوا}، ثم بين هذا العلم فقال: {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} .. إنه علم معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه !!

وقد زخَر الكتاب العزيز بمئات الآيات التي تتكلم عن عظيم ما خلق الله تعالى في هذا الكون الفسيح؛ بأساليب مؤثرة؛ يتلذذ بمعانيها كل من تلا القرآن الكريم .. وأمّا حافظ كتاب الله تعالى؛ فإن نصيبه في استعراض آي الكتاب الكريم يكون أكبر وأعظم؛ لحاجته إلى المراجعة المستمرة !!

ثالثا: الكعبة المشرفة: 

قال تعالى عن الكعبة: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: ٩٧].. نلاحظ قوله تعالى في الآية الكريمة: {لِتَعْلَمُوا}، ثم بين هذا العلم فقال: {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .. إنه علم معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه !!

ولأن الله تعالى حرّم البلد الحرام يوم خلق السماوات والأرض -كما دلت عليه النصوص الشرعية- فإن الآية الكريمة دلت على عِلم الله تعالى -قبل خلق آدم عليه السلام- بحاجة البشرية إلى البيت الحرام .. فسبحان علام الغيوب !!

أخيرا: إن الدرس العظيم المستفاد ممّا سبق بيانه: هو أن دافع حفظ كتاب الله تعالى؛ لنزداد معرفة به سبحانه؛ لهو من أقوى الدوافع الربانية لحفظ القرآن الكريم !!

أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية في أوقاتنا في هذا الشهر الفضيل -تدبرا وحفظا وعلما- حتى تزداد معرفتنا بالله تعالى؛ وبأسمائه الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة !!

اللهم أعِنّا على صيام الشهر وقيامه !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!