الحلقة الرابعة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!
قال الله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [ابراهيم: ٤١]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
الحنيفية السمحة لا تقتصر -كما بينت في مقالات سابقة- على السماحة في أحكام العبادات والمعاملات، وإنما تمتد لتغطي موضوعات عظيمة، من ذلك: السماحة في سؤال المؤمن ربه -مباشرة- غفران الذنوب !!
هذا إمام الحنفاء -إبراهيم عليه السلام- يربي أتباعه؛ أنه يسأل الله تعالى المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين، قال تعالى حاكيا عنه دعاءه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [ابراهيم: ٤١]، وسيد الأولين والآخرين -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه يستغفرون ربهم، قال تعالى: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ٢٨٥] .. وباقي الأنبياء -عليهم السلام- يستغفرون ربهم، والآيات في ذلك كثيرة !!
ولم يدعِ؛ لا ملك مقرب؛ ولا نبي مرسل؛ -عليهم السلام- القدرة على مغفرة الذنوب لأنفسهم؛ أو لغيرهم !!
فكيف انحرف النصارى عن دين الحنيفية السمحة -الإسلام- وتسلل الشرك إلى دينهم؛ حتى نصّبوا الكهنة؛ ليباشروا بأنفسهم غفران الذنوب لرعاياهم .. إذ لابد للنصراني أن يأتي إلى بشر مثله -يسمونه “أب الاعتراف” وهو من الكهنة- يسرد عليه النصراني خطاياه ليغفرها له ؟!!
ليس ذلك فحسب، بل يمارس الكهنة على رعاياهم ما هو أدهى وأمر؛ وهو ما يسمى: “الحِرْمَان”، وهو مصطلح ديني نصراني؛ نصّب فيه الكهنة أنفسهم آلهة من دون الله تعالى .. يقصدون به حرمان كل من امتنع من رعاياهم لعام كامل؛ من المجيء إلى أب اعترافه؛ للاعتراف بذنوبه؛ ليغفرها له؛ يحرمونه من عبادة شركية أخرى يعظمونها كثيرا؛ وهي الأكل من رغيف الخبز الذي يعتقدون -باطلا- أنه تحول بالصلاة والقراءة إلى جسد ربهم؛ تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!
يا لله .. يريد الكهنة بهذا الحِرْمَان ترسيخ عبودية رعاياهم لهم، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣١] !!
ويرجع أصل الفساد في هذا الانحراف عن الحنيفية السمحة عند النصارى؛ وسؤال بشر مثلهم مغفرة الذنوب؛ إلى جهلهم بالله تعالى العظيم؛ وأسمائه الحسنى وصفاته العليا !!
فبعد إلحادهم في اسم الله تعالى “الأحد”؛ بعبادة عيسى عليه السلام مع الله تعالى؛ أخذوا يلحدون في أسماء لله تعالى أخرى؛ ممّا جرهم إلى ألوان من الشرك يتخبطون فيه !!
ألحدوا في اسم الله تعالى “الحي” الذي لا يموت؛ فزعموا أن إلههم -عيسى عليه السلام- صُلِب ومات من أجل خطاياهم، ثم قام بعد موته؛ تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!
وألحدوا في اسم الله تعالى “الغفور” فزعموا أن مغفرة الله تعالى للخطايا لا تكون بكلمة منه؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: (وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)[رواه مسلم (٢٥٧٧)]، وقالوا إن الخطيئة -التي زعموا أن البشر ورثوها عن أبيهم آدم عليه السلام- إنما تُغفر بصلب الإله لنفسه وموته؛ ثم قيامته من الموت؛ تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!
وألحدوا في اسم الله تعالى “الصمد” فقصدوا غير الله تعالى؛ ممن يسمونهم “القديسين” يسألونهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى؛ تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!
وألحدوا في اسم الله تعالى “العلي” في علاه؛ البائن من خلقه تعالى، وصوروه كإنسان يمشي مع الناس على هذه الأرض؛ تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!
أرأيت أخي القارئ الكريم خطر الإلحاد في أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العليا؛ كيف يقود إلى ألوان من الشرك مختلفة ومتعددة ؟!!
وكم فرح المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها -قبل عدة أيام- بإعلان الكاهن النصراني المشهور في ولاية كالفورنيا: (Hilarion Heagy) هيلاريون هيجي؛ رجوعه إلى دين الحنيفية السمحة -الإسلام- وقال كلمته المشهورة على موقعه: “بإسلامي كأني رجعت إلى بيتي”، ثبتنا الله تعالى وإياه على دين الحق حتى نلقاه !!
يقول الإمام السعدي -رحمه الله- فِي تعظيم موضوع الأسماء والصفات: “المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته؛ وتعبده بها لله؛ لا يحصل العبد في الدنيا أجلّ ولا أفضل ولا أكمل منها، وهي أفضل العطايا من الله لعبده، وهي روح التوحيد ورَوحه، ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص؛ والإيمان الكامل الذي لا يحصل إلا للكُمّل من الموحدين ..” انتهى كلامه !!
ولذلك فالحنفاء يعرفون الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ وأنه سبحانه سميع، بصير، عليم .. يطلبون المغفرة منه مباشرة .. كيف وقد خوفهم تعالى من الجرأة على استحقاقه واختصاصه وحده سبحانه في مغفرة الذنوب، في الحديث القدسي: (أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ)[رواه مسلم (٢٦٢١)] ؟!!
اللهم زدنا معرفة بك؛ وقربا منك؛ وحبا لك، حتى نكون كما قلت في كتابك الكريم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!