الحلقة السادسة والعشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ} [الإسراء: ١٠٠]، قال أهل التفسير: “قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: لو كنتم تملكون خزائن رحمة ربي التي لا تنفد ولا تبيد إذًا لبخلتم بها، فلم تعطوا منها غيركم خوفًا مِن نفادها فتصبحوا فقراء” !!
كم يدهشنا كتاب ربنا تعالى بمعانيه العظيمة التي ألمّت بجميع أحوال البشر..مسلمهم وكافرهم ؟!! وهذه الآية الكريمة: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ}؛ قد مست جانبا بغيضا من سلوك أرباب الحضارات المادية في كل زمان؛ وهو البُخل؛ الذي بلغ مبلغا خطيرا لديهم في هذا العصر، كما سأبينه في هذا المقال !!
ولأن الله تعالى قال في نهاية الآية: {وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا}، قال أهل التفسير؛ “ومن شأن الإنسان أنه بخيل بما في يده إلا مَن عصم الله بالإيمان”، فقد عصم الله تعالى المؤمنين من البُخل بالتوجيهات الربانية والأحاديث النبوية؛ التي تحث على الإنفاق؛ وتعالج البخل في طبع الإنسان، منها:
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: ١٣٤] !!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: البُخل؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: علِمت من قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حينما سأله رجل: “أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟” فقال صلى الله عليه وسلم: (أَما وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ البَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كانَ لِفُلَان) [متفق عليه]؛ علِمت أن النفس تشح بالنفقة، كما علِمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم عالج ذلك الشح؛ بأن جعل النفقة في حال صحة الإنسان؛ وهو يخشى الفقر؛ ويأمل أن يحيا؛ أعظم أجرا، فأقبلت على النفقة وبذل المال في كل الأوقات !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإن الحياة المادية التي تبنتها الحضارة المعاصرة -والتي لا تحسب لليوم الآخر حسابا- قد أفرزت مجموعة من الرذائل؛ منها البُخل -حتى لو كانوا يملكون خزائن رب السماوات والأرض؛ كما بينت الآية الكريمة التي خاطبت الكفار: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ}-، وقد جاء ذلك البُخل في صور مختلفة، منها:
البُخل عن مواساة مئات الألوف من المشردين (Homeless)؛ الذين افترشوا الأرض والتحفوا السماء؛ في دول غنية كأمريكا .. ولا زكاة لديهم -كتلك التي فرضها الله تعالى على المسلمين- ترفع عن المشردين حالة العوز التي هم فيها، ولا كرم وبذل يدفع الأغنياء لمواساتهم .. شعارهم في ذلك البُخل قانون الغاب: “البقاء للأقوى” !!
بُخل كثير من الآباء والأمهات على أبنائهم وبناتهم -خاصة بعد بلوغ سن الثامنة عشرة؛ مع فقدهم للتشريع الإسلامي الحكيم؛ الذي بين على من تجب النفقة- حتى أدى هذا البُخل إلى جرائم قتل فظيعة؛ قتل فيها بعض الأبناء والديهم .. ناهيك عن وقوع الفتيات في أيدي المجرمين والفجرة؛ عند سكنهن بمفردهن بعد سن الثامنة عشرة؛ بسبب خروجهن من بيوت الوالدين؛ إمّا طردا؛ أو لرغبتهن في الاستقلال؛ بما أوحت إليهن حياة التبرج والسفور؛ والعلاقات المحرمة؛ في مجتمعاتهم البئيسة !!
كما لم يسلم بعض الآباء والأمهات عند كبرهما من بُخل أبنائهم عليهم؛ عاطفيا وماديا، حتى آل حال كثير منهم إلى دار العجزة !!
ومن أغرب أنواع البُخل ما يسمى بالتخزين؛ أو الاكتناز القهري (compulsive hoarders) .. ويبلغ عدد هؤلاء في أمريكا لوحدها ما بين خمسة إلى أربعة عشر مليون مكتنز [ويكيبيديا] .. وأقرب وصف لهذه الحالة: أنك لا تستطيع التجول في بيت المكتنِز؛ لامتلاء غرفه وممراته من كل ما يدخل بيته؛ دون التخلص من أي شيء البتة .. انظر إلى المقطع (top 5 biggest hoarders)؛ لترى العجب العُجاب !!
وهذا البُخل -الذي زعموا أنه اكتناز قهري- لا يدخل فيه حب البعض للاحتفاظ بأشياء لها ذِكريات جميلة؛ أو بحاجة إليها مستقبلا، فذاك شيء آخر !!
لاحظ معي أخي القارئ الكريم؛ أنهم يعزون هذا التخزين -البُخل- إلى أنه مرض نفسي (compulsive hoarder) تخزين قهري، وهو ذات العذر الذي يلصقون به حتى جرائم المجرمين .. والحقيقة أن تمردهم على الله تعالى العظيم؛ ومنهجه القويم؛ هو السبب الرئيس وراء أنفسهم غير المطمئنة؛ وأمراضهم النفسية؛ وسلوكياتهم الخاطئة .. ولن تشفى نفوسهم؛ وتطمئن إلا بالإيمان بالله العظيم، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: ٢٨] !!
ثم إن هذا البُخل لم يقتصر على أفراد الأُسر غير المسلمة، بل تعداه ليكون سلوكا للدول والمؤسسات .. فها هي دول غنية مستكبرة؛ تنفق الأموال الطائلة -ليس لإشباع الدول الفقيرة، بل- لاستعمارها؛ ونهب ثرواتها؛ وتجويعها؛ وصدها عن الأخذ بأسباب القوة والكفاية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٣٦] !!
وأمّا بُخل المؤسسات؛ فهذا صندوق النقد الدولي -الذي يتحكم فيه اليهود- يضع شروطه على الدول المحتاجة الفقيرة؛ حتى تطمس هويتها؛ وتغير من ثوابتها !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!