الحلقة الثالثة والعشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ • وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧-٨] !!
حمّل الإسلام الفرد المسلم -ذكرا كان أو أنثى- أمانة القيام بالتوحيد وتكاليفه، وأنه سيُحاسب على مثقال الذرة من أقواله وأفعاله !!
وسواء كان الفرد المسلم على رأس الهرم -كالأمير على قومه- أو كان خادما؛ أو مابين ذلك من المراكز والمواقع المجتمعية، فإن الجميع رعاة؛ مسؤولون ومحاسبون، قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ، ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ) [متفق عليه] !!
ولذا يبادر الفرد المسلم إلى عمل الصالحات في مجتمعه، ويمتنع من اقتراف السيئات؛ عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا، ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده، لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا) [صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١٦٩)] !!
وأعظم ما يصلح به المجتمع المسلم هو صلاح غالب الأفراد -في مراكزهم ومواقعهم المختلفة- وليس بصلاح فرد واحد، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١] !!
وكذلك على الفرد المسلم أن يعي أهمية فروض الكفايات؛ التي إن قام بها أفراد سقطت عن غيرهم، وإن لم تقم؛ أثِم الجميع، سواء التعبدية منها -كتعلم العلم الشرعي، وكالدعوة إلى الله تعالى، وكصلاة الجنازة، وغيرها- أو الدنيوية منها؛ كعلوم الطب والهندسة، وصناعة السلاح وغيرها .. على الفرد المسلم أن يعي أهمية فروض الكفايات؛ ليشارك فيها تطوعا؛ أو وجوبا إذا أمره أولياء الأمور !!
هذا هو منهج الإسلام في إصلاح المجتمعات، يبنيه على صلاح الأفراد؛ ووعيهم بفروض الكفايات !!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: المسؤولية الفردية في هذه الحياة الدنيا؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: أدركت بأن الإسلام قد ضمّن في تشريعاته لإصلاح أفراده؛ ما يصلح به المجتمع كذلك، حتى لو كانت تلك التشريعات من النوع الذي يكون مكروها للطبيعة البشرية؛ كفرض القتال، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: ٢١٦]، أدركت ذلك فأمتلأت قلوب أفراد الأُسر المسلمة فرحا بالقرآن العظيم وتشريعاته !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فقد وقعت الحضارة المادية في أمر غاية في الخطورة: حيث قلبت موضوعا مهما إلى عكسه تماما .. ففي حين عظّم الإسلام من المسؤلية الفردية؛ أثقلت الحضارة المادية بلدانها بالقوانين التي تهتم بالمجتمع، ثم أطلقوا للناس العنان ليفعل كل فرد ما يشاء في نفسه؛ فيما أسموه بالحرية الشخصية، ولأن شدة الضغط تولد الانفجار -كما يقال- انطلق أفراد الأُسر -المثقلون بالقوانين العامة- ليعملوا الأعاجيب من الباطل في حياتهم الشخصية -التي لا تعرف هدى الله تعالى- فاستحل الأفراد الحرام؛ وأخذت مجتمعاتهم بالانهيار الأخلاقي والقيمي .. وفيما يلي صورتين بشعتين من الآثار المفجعة للحرية الشخصية:
أولا: من المقولات الساقطة لدى كثير من أفراد الأُسر غير المسلمة: “جسدي خياري” (my body my choice) -وهو من إفرازات الحرية الشخصية- وهي مقولة تعدت موضوع الإجهاض وقتل الاجنة حية -الذي تفشى بين النساء لديهم- إلى ما هو أدهى وأمر: “الموت الرحيم” (euthanasia)؛ بمساعدة الأطباء لمن يرغب الموت؛ لأجل مرض أو غيره، وهو الانتحار من المنظور الإسلامي !!
ثانيا: كذلك من المصطلحات المخزية الغريبة التي اتصف بها بعض الأفراد الذكور؛ على إثر استباحة العلاقات المحرمة بين الجنسين؛ مصطلح: “العزوبة اللاإرادية” (involuntary celibacy); ومختصره (Incel) .. يقومون بجرائم قتل جماعية؛ انتقاما من صدود النساء عنهم; من أشهرهم المجرم (Elliot Rodger) !!
وليست الصور البشعة من الجرائم المختلفة -بأعدادها الفلكية- هو ما نتج عن هذه الحرية الشخصية فحسب، بل حَرَمت هذه الحرية الجهات الأمنية من أخذ عينة (DNA) أو بصمة الأصابع من كل الناس -سوى المجرمين المدانين؛ أو من له قضية في المحاكم؛ أو المشتبه فيهم- والسبب هو نفسه -مقولة: “جسدي خياري”- وهذا من شأنه تصعيب كشف المجرمين ممّن ليس لهم سوابق في تلك المجتمعات !!
وإذا ما علمنا أن عدد المكالمات الواردة إلى الجهات الأمنية على الرقم (911) في أمريكا لوحدها (٢٤٠) مليون مكالمة سنويا -حسب إحصائية مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI)؛ على إثر المشكلات التي لا حصر لها- فإننا نخلص بعد ذلك إلى حقيقة واضحة: أن السبب الأول وراء مختلف أنواع الجرائم في مجتمعات الحضارة المادية؛ هي هذه الحرية الشخصية لأفراد تلك المجتمعات !!
ألا يحق لنا بعد ذلك تسمية حريتهم الشخصية بالحرية البهيمية ؟؟!! بلى .. بل هي أضل، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤] !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!!