الحلقة الحادية عشرة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}، إلى قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: ٦-١٠] !!
قَذَفَ الصحابي هِلَالُ بن أُمَيَّةَ -رضي الله عنه- امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بن سَحْمَاءَ !! فكيف عالج الإسلام هذه الواقعة ؟!
الأعراض لها شأن كبير في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا) [متفق عليه]، وصيانة البيوت من أن تلوكها ألسنة الناس بالقذف مقصد إسلامي عظيم .. ولذا كان حد القذف: ثمانين جلدة؛ وتسقط شهادة القاذف أبدًا -رجلا أو امرأة- ويوصم -هو أو هي- بالفسق، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] !!
وحماية للأعراض؛ قال صلى الله عليه وسلم للصحابي هلال: (البَيِّنَةَ أو حَدٌّ في ظَهْرِكَ) [رواه البخاري (٤٧٤٧)] .. والبينة أربعة شهود، قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ} [النساء: ١٥] !!
فمن أين يأتي هلال -رضي الله عنه- بالشهود الأربعة، مع أنه مستيقن من وقوع زوجته في الزنا ؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يعيد عليه ويقول: (البَيِّنَةَ أو حَدٌّ في ظَهْرِكَ)، فقال هلال: “والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلَيُنْزِلَنَّ الله ما يُبَرِّئُ ظهري من الحد”، فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ …} الآيات، وهي آيات اللعان !!
بعد نزول آيات اللعان؛ أرسل صلى الله عليه وسلم إليها، فجاء هِلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يعلم أن أحَدَكُمَا كاذب، فهل منكما تائب)، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وَقَّفُوهَا، وقالوا: إنها مُوجِبَة -تخويفا لها من غضب الله تعالى- قال ابن عباس: “فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ، حتى ظننا أنها ترجع”، ثم قالت: “لا أفضح قومي سائر اليوم، فَمَضَتْ”، يعني مضت في حلفها !!
ولمّا صارت الملاعنة بينهما؛ فرّق بينهما صلى الله عليه وسلم، ولو اعترفت لكان الرجم مصيرها، ولكنها اختارت ما يدرأ عنها حد الرجم، قال تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ • وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، والعذاب في الآية هو الرجم !!
مجتمع الطُهر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجتمعا ملائكيا خال من أفراد يذنبون؛ حتى بفاحشة الزنا !! ولكن المسلم يعلم الفرق الكبير بين الأُسر المسلمة وغير المسلمة؛ في قلة هذه الوقائع وندرتها لدى المجتمعات المسلمة، وفُشُوِّها لدى مجتمعات الحضارة المادية !!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الخيانة الزوجية، وعلاج الإسلام لها؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: أدركت خطر المِساس بأعراض الناس، وأن حد القذف ثمانين جلدة .. كما أدركت عِظم جُرم فاحشة الزنا -وأن فيه الرجم- فاستقبحته أيما استقباح !!
كما نأت بنفسها عن السماع للفسقة الذين يخوضون في أعراض الناس؛ مُغلِبة حُسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات، قال تعالى: {لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} [النور: ١٢] !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فقد كان شؤم المعاصي التي يمارسونها -من تبرج وسفور؛ واستحلال للعلاقات الحرام قبل الزواج- كان شؤم هذه الذنوب العظيمة أن وقعوا في ذنوب أعظم؛ وهي الخيانات الزوجية؛ بين كثير من المتزوجين؛ بِنِسَب تصدم الإنسان؛ إذا ما أجرى قليلا من البحث على الشبكة العنكبوتية، وصدق الله تعالى القائل: {فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: ٤٩] !!
ولا شك أن لهذه الخيانات الزوجية آثارا مدمرة، منها:
ارتفاع نسبة الطلاق المرتبطة بهذه الخيانات؛ وآثارها النفسية السلبية العميقة على الزوجين والأولاد والأهل؛ ممّا يؤدي إلى التفكك الأسري !!
ارتفاع جرائم القتل المتعلقة بالخيانات الزوجية؛ حين لم يستسلموا لخالقهم العظيم ومنهجه القويم لمعالجتها -كرجم الزناة المُحصنين أو الملاعنة؛ والجلدِ مائة جلدة، وتغريب عام لغيرهما- ولا شك أن هذه الأحكام الربانية الحكيمة رادعة من انتشار الفاحشة !!
الترخيص لمحققين متخصصين؛ يستأجرهم بعض الأزواج أو الزوجات؛ عند الشكوك في الخيانة الزوجية -ولا شك أن هذا من التجسس المنهي عنه في الإسلام- وهو صورة من صور القذف؛ وإشاعة الفاحشة، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك في إشاعة الفاحشة؛ بأن قدموا برامج تلفزيونية بغيضة؛ تستضيف أطراف هذه الخيانات !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!