التأمل المفيد (٢٨٩)

الحلقة التاسعة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ٢١] !!

حظي الزواج في شريعة الإسلام العظيمة بعناية ربانية حكيمة؛ سواء ما كان سابقا لإبرام عقده -كالخِطبة والرؤية الشرعية- أو لحظة إبرامه؛ برضا الطرفين؛ والشاهدين على العقد؛ وإشهاره، أو من خلال النظام المحكم من الحقوق والواجبات بين الزوجين؛ ما يضمن لهما حياة ملؤها السكينة والرحمة، وكذلك بحلول ربانية حكيمة لِما يعتري الحياة الزوجية من خلافات ومشاكل !!

والزواج وأحكامه؛ باب من أبواب الفقه الإسلامي العظيم .. سأقتصر في هذه السلسلة من المقالات على ذكر بعض من أحكامه؛ لبيان عظمة الإسلام في استقرار الحياة الزوجية، مقارنة بما آل إليه أمر الزواج في الحضارة المادية المعاصرة !!

هذا وإن من أعظم ما خص الله تعالى به المرأة في شريعة الإسلام -والمرأة هي الأضعف في الخِلقة مقارنة بالرجل- أن سخر لها من أقاربها -كالزوج والوالد والولد والإخوة- من يسهرون على راحتها وحمايتها من الشرور الحسية والمعنوية، يقومون بذلك؛ دينا يدينون الله تعالى به، وشريعة ربانية ينقادون لها !!

أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الزواج؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: أدركت من قول رسولها صلى الله وسلم: (يا معشر الشبًاب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بًالصوم فإن الصوم له وجاء) [متفق عليه]؛ أن الزواج لمن استطاع الباءة واجب، قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: “وهذا الحديث يدل على وجوب النِّكاح مع القُدرة، قال بعضُهم: يجب عند خوف الفتنة. والصواب أنه يجب مطلقًا لهذا الحديث العظيم، إذا استطاع الزوجُ المؤنة وجب عليه النِّكاح، ولا يجوز البقاء بغير نكاحٍ؛ لما في ذلك من الخطر العظيم”[الموقع الرسمي للشيخ ابن باز]، وانقيادا لتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم المطهرة في الحديث الآنف الذكر؛ اهتمت الأُسرة المسلمة بأمر الزواج لشبابها وشاباتها؛ ويسرت لهم سبل بلوغه !!

ثم لم يقتصر إيمان الأُسر المسلمة بما شرّف الله تعالى النساء فيها بالستر والحجاب، بل آمنت كذلك بما شرّفها الله تعالى في أمر الزواج؛ بأن جعل الطريق إلى خطبة فتياتها؛ طريقا واضحا بينا وضوح الشمس في رابعة النهار؛ وهو أن يأتي الخاطب البيوت من أبوابها؛ عن طريق أهل المخطوبة؛ مما يتيح لكلا الطرفين وأهليهم معرفة أفضل بالآخر؛ وليكون قرار التوافق والقبول -عند إبرام العقد- مبنيا على قناعة وبصيرة !!

كما أذعنت لتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم حين سن الرؤية الشرعية، قال صلى الله عليه وسلم: (اذهب فانظُر إليها؛ فإنه أَحْرى أن يُؤدَمَ بيْنَكُمَا) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٨٥٩)]، رؤيتها بدون خلوة؛ لورود النصوص الشرعية بتحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية !!

واهتمت الأسرة المسلمة بإعلان النكاح وإشهاره، قال صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أولم ولو بشاةٍ) [متفق عليه]، قال الشيخ ابن باز: “ويُعلن النكاح بالوليمة وغيرها؛ حتى لا تكون هناك شبهة في هذا النكاح”[الموقع الرسمي للشيخ ابن باز] !!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فقد أدى اختلاط الرجال بالنساء -وما هن عليه من تبرج وسفور؛ ثم تصنيع حبوب منع الحمل في الستينيات الميلادية من القرن الماضي- أدى ذلك إلى عزوف كثير من شباب وفتيات الأُسر غير المسلمة عن الزواج، واستبدلوه بعيش كل عشيقين تحت سقف واحد؛ بدون حسيب ولا رقيب من دين أو ضمير أو مجتمع؛ على هذه العلاقات المحرمة، ولا يستغرب أن يتزوج العشيقان حتى بعد الإنجاب، فأمر الزواج لديهم معكوس !!

وللحركة النسوية (feminist movement) في الحضارة المادية إسهام كبير في تهميش أمر الزواج؛ حين غرست في النساء بذرة الاستقلال الخبيثة؛ حتى صار قول كثير من الفتيات: شهادتي استقلالي-مع إقرارنا بأهمية تعليم المرأة- لكن المرأة في الغرب لم تدرك أن استقلالها -الذي يزعمون- إنما هو في الحقيقة فصلها عن حُماتها من الوالدين والاقربين؛ لتكون صيدا سهلا للذئاب البشرية؛ التي ألهب تبرج النساء عطشها للجنس هناك؛ ولو كان ذلك بالاغتصاب وقتل الضحية !!

وليس هناك من مقدمات للتعارف كالسؤال عن الأخلاق والقيم، بل صار بإمكان الطرفين التعارف حتى عن طريق مواقع في الشبكة العنكبوتية -التي يخفي فيها كل راغب في التعارف عن جانبه أو جانبها المظلم- مواقع تدعو بصراحة إلى اللقاء لسد الرغبات الجنسية !!

وإذا ما تم اللقاء؛ تفعل القُبلة الحرام فعل السحر في التعارف بين الجنسين لدى الأُسر غير المسلمة، حيث تغطي على نقص القيم والأخلاق لدى الطرفين .. ثم لا دخل للوالدين إذا تطورت القُبلة الحرام إلى علاقة محرمة بدون زواج !!

كما أن البارات والملاهي الليلية -المشرعة أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل- قد سهلت لهم العلاقات المحرمة؛ بعد شرب أم الخبائث فيها، وخروجهم -بصيدهم- منها سُكارى، فما الداعي إذن إلى الزواج ؟؟!!

ومن أفجر الفجور وأقبح الذنوب لدى بعض الأُسر غير المسلمة -الذي تترفع عنه حتى بعض الحيوانات- اتفاق الزوجين على ما يسمونه بالزواج المفتوح، وهو السماح بأن يقترف كل طرف -الزوج والزوجة- الفاحشة مع من يريد، شريطة ألا يتحول ذلك إلى حب ورغبة في الارتباط !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!