التأمل المفيد (٢٨٠)

الحلقة الثانية والأربعون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ • مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ • إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: ١٦١-١٦٣]، قال أهل التفسير: “فإنكم -أيها المشركون بالله- وما تعبدون من دون الله من آلهة، ما أنتم بمضلِّين أحدًا إلا مَن قدَّر الله عز وجل عليه أن يَصْلَى الجحيم؛ لكفره وظلمه” !!

{مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} .. آية كريمة ينبغي لكل مؤمن أن يعيها ويحفظها؛ ليواجهوا بها أعتى وأدهى الفتن؛ ما داموا بالله مستعصمين، وما داموا قد تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين !!

صحيح أن الله تعالى بين في كتابه الكريم أن إبليس وأولياءه من شياطين الجن والإنس يعملون جاهدين على فتنة بني آدم، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٧] !!
وكذلك بين الله تعالى لنا أن الأموال والأولاد والأزواج فتنة، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٢٨]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التغابن: ١٤] !!

غير أن عباد الله تعالى الْمُخْلَصِينَ؛ رباهم ربهم ليواجهوا الفتن جميعها؛ قائلين لأصحابها بعزة وثبات: لن تفتنونا ولن تضلونا أبدا: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ}؛ ما دمنا متمسكين بصراط الله تعالى المستقيم !!

ولذا يواجه المُخْلَصون الشيطان وجنده بقولهم: لن تفتنونا ولن تضلونا عن ديننا: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ}، فكيد الشيطان ضعيف، قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: ٧٦]، ولا سبيل له على الْمُخْلَصِينَ، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ • إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: ٣٩-٤٠] !!

كما يواجه المُخْلَصون الحضارات المادية لغير المسلمين -مهما تجملت بدنياها وتزخرفت، ومهما استطالت بقوتها وتجبرت، ومهما تبذلت في إعلامها وتحررت- يواجهونها بقولهم: لن تفتنونا ولن تضلونا عن ديننا: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} .. فحضارتكم إلى زوال، قال تعالى: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} [الحج: ٤٥] !!

وأمّا فتنة الأموال والأولاد والأزواج فقد واجهها المُخْلَصون بنور الوحي؛ فلم تلههم عن ذكر الله تعالى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: ٩]، بل جعلوا ذكر الله تعالى مقدما على زينة الحياة الدنيا -المال والولد- قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: ٤٦]، قال أهل التفسير: “الأعمال الصالحة -وبخاصة التسبيحُ والتحميد والتكبير والتهليل- أفضل أجرًا عند ربك من المال والبنين”، وزاد المُخْلَصون بعد ذلك فعملوا على حُسن تربية أولادهم حتى يكونوا أبناء صالحين؛ يدعون لهم في حياتهم وبعد مماتهم، قال تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: ١٥]، وتوجوا ذلك كله بالدعاء، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤] !!
وأمّا أموالهم فقد اكتسبوها بالحلال؛ وأنفقوها في الحلال !!

أخيرا: إن أعظم ما ترسِّخه الآية الكريمة: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ}؛ في نفوس الْمُخْلَصِينَ؛ أن إلههم سبحانه عظيم خالق مدبر سميع بصير؛ له الأسماء الحسنى؛ والصفات العليا، وأن أعداءه سبحانه وأعداء المؤمنين -من شياطين الإنس والجن- مخلوقون ضعاف؛ لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا !!

كما توضح الآية الكريمة: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ}؛ منهج الإسلام في موضوع الخوف؛ وأنه لا يقوم على تخويف المؤمنين من أعدائهم؛ على اختلاف ألوانهم، قال تعالى: {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥] .. إنما يقوم منهج الإسلام في موضوع الخوف؛ على تخويف المؤمنين من الوقوع في المعاصي والآثام، ولذا جاء بعد قوله تعالى: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} جاء بعده: {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}، ولا يصلى الجحيم إلا مَن قدَّر الله عز وجل عليه أن يَصْلَى الجحيم؛ لكفره وظلمه، كما قال أهل التفسير، وقال تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: ١٤] !!

اللهم اجعلنا من عبادك الْمُخْلَصِينَ !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!