التأمل المفيد (٢٧٧)

الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ١٧٧]، قال أهل التفسير: “إن الذين استبدلوا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئًا، بل ضرر فِعْلِهم يعود على أنفسهم، ولهم في الآخرة عذاب موجع” !!

نقف عند قول علماء التفسير: “بل ضرر فِعْلِهم يعود على أنفسهم”، فأقول وبالله التوفيق: لو علم أهل الحضارات المادية من غير المسلمين؛ كم هي تكلفة خسارة فقدهم للإيمان بالله تعالى؛ وتكلفة الضرر الواقع عليهم بسبب ذلك الفقْد؛ لقاتلوا أهل الإيمان بكل ما أوتوا من قوة وعتاد للاستيلاء  على هذا الإيمان، وبنحو هذا المعنى قال أحد علماء السلف وهو -إبراهيم بن أدهم- رحمه الله تعالى عن نعيم الإيمان: “لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف”[الجواب الكافي (٢٣٣)] !!

وإليك أيها القارئ الكريم تقريبا واقعيا لتكلفة خسارة فقْدِ غير المسلمين للإيمان بالله تعالى؛ التي تصل -بدون مبالغة-في أقل تقدير إلى ترليونات الدولارات، بل يكلفهم عدم الإيمان بالله تعالى الانهيار والسقوط الكامل؛ ليصبحوا بعد ذلك أثرا بعد عين، وهي تكلفة يجهلونها:

إنها قصة قتل مأساوية جرت أحداثها لعائلة في ولاية فلوريدا بأمريكا -نتيجة فقْدِ الإيمان بالله تعالى- وعلينا -بعد قراءة القصة- تثمين قيمة خسارة تلك المجتمعات ككل -وليس لعائلة واحدة- لفقدها  الإيمان بالله تعالى؛ وما تجلبه لهم من كوارث لا تقدر بثمن من ضخامتها !!

قبل نحو سبعة أعوام -وبالتحديد في شهر يونيو من عام ٢٠١٥ من الميلاد- دفع رجل متزوج لصديق له -طمعا من هذا الزوج في حيازة مبلغ التأمين على الحياة الخاص بزوجته؛ أم طفلتيه، بعد قتلها- دفع لصديقه مبلغا من المال؛ كما وعده بالمزيد من المال مستقبلا؛ مقابل قتل زوجته الطبيبة المشهورة على مستوى أمريكا .. وتم التخطيط لقتل الزوجة في وقت وجود زوجها والطفلتين في ولاية أخرى، ليبعد شبهة قتلها عن نفسه .. وتمت الجريمة البشعة بضرب الزوجة بمطرقة على رأسها سبع عشرة مرة حتى تهشم رأسها .. وبعد أشهر من التحريات والتحقيقات تم القبض على قاتلي الزوجة .. وبعدها تم القبض على الزوج وإدانته بالتخطيط لقتل زوجته، وحُكِم عليه بالإعدام، وعلى المنفذيْن للقتل بالسجن !!

والحقيقة التي نريد أن نصل إليها هي أن البيئات المجتمعية البئيسة التي يخلِّفها فقْدُ الإيمان بالله تعالى لا تنحصر في الجشع فقط -كما في أحداث الجريمة التي سردتها- بل هي بيئات مجتمعية أخطر وأكبر وأعظم بؤسا من ذلك؛ بينها لنا الوحي المطهّر؛ تتصف:

بتفضيل الدنيا على الآخرة، قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل: ١٠٧] !!

وتتصف باتباع الشهوات على اختلاف ألوانها، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: ٢٧] !!

وتتصف بالصد عن سبيل الله تعالى وصراطه المستقيم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤] !!

وتتصف ببغي الناس بعضهم على بعض، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: ١٩] !!

إن مثل هذه البيئات المجتمعية البئيسة تسببت في الإطاحة بحضارات كانت قائمة في الماضي، وهي تعصف اليوم بحضارات قائمة؛ إلّا أن تفيء إلى ظلال الإيمان بالله تعالى؛ واتباع منهجه القويم !!

أخيرا: إن وجود أرقى وأقوى وأدق وسائل وطرق كشف الجرائم والمجرمين لدى غير المسلمين؛ كتلك التي استخدموها في الإطاحة بمجرمي القضية التي ذكرتها في المقال -من استخراج وتحليل لسجل الكاميرات المنتشرة في كل مكان، وتحليل سجل المكالمات، وتحليل ما تركه القتلة من بقايا من شعرهم، أو بقايا من خيط ملابسهم؛ في مسرح الجريمة؛ لمطابقتها بالحمض النووي (DNA) الخاص بالمدانين- كل ذلك لم يردع المجرمين -الخاوية قلوبهم من الإيمان بالله تعالى- من الإقدام على ارتكاب أفظع وأعظم الجرائم !!
وأقوى وأصدق دليل على ذلك؛ المجزرة التي وقعت في ولاية تكساس يوم الثلاثاء الماضي -أثناء كتابتي لهذا المقال- حيث قام شاب في الثامنة عشرة من عمره باقتحام مدرسة ابتدائية، قتل فيها واحدا وعشرين؛ تسعة عشر منهم أطفال صغار، ومعلمتين !!

ولا يشك مسلم أن الأمة المسلمة تتحمل واجب إبراز قيمة إيمانها بالله تعالى للعالم أجمع؛ بإخراج إعلامي محترف؛ بالصوت والصورة ولغة الأرقام؛ ليعكس للعالم الأثر الإيجابي العظيم لإيماننا بالله تعالى؛ على جوانب حياتنا كلها؛ أسرية ومجتمعية، لعل ذلك يحمل في طياته رسائل دعوية مؤثرة إلى غير المسلمين !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!