التأمل المفيد (٢٧٣)

الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى : ٢١]، قال أهل التفسير: “بل ألهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم، ابتدعوا لهم من الدين والشرك ما لم يأذن به الله؟” !!

لا يجد المسلم جوابا شافيا لأسباب التخبطات المهولة؛ والانهيار القيمي المتسارع الذي تعيشه الحضارات المادية المعاصرة؛ سواء الغربية منها -وتتزعمها أمريكا- أو الشرقية -وتتزعمها روسيا-؛ لا يجد المسلم جوابا لأسباب هذه التخبطات المهولة؛ والحروب الطاحنة التي تدور بينهم تارة؛ وتارة أخرى يتسلطون بها على الشعوب الضعيفة؛ إلا قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} !!

ولنبدأ بحال قريش التي تعد أنموذجا لجميع الحضارات والمجتمعات المتمردة على منهاج خالقها رب العالمين، فإنه كما عاب القرآن الكريم عليهم عبادتهم لللات والعزى، قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [النجم : ٢٣]؛ كذلك عاب عليهم التشريعات التي كانوا يشرِّعونها من دون الله تعالى: {وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : ١٣٨]، ويلاحظ في الآية الكريمة أنها حكت عن قريش بصفتهم الجماعية: {وَقَالُوا}، لأن المشرِّعين دائما كُثُر؛ {شُرَكَاءُ}؛ كما جاء في الآية التي هي موضع التأمل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}، إذ لم يكن أبو جهل يشرِّع وحيدا، ولكن كان معه أبو لهب وغيره !!

والحال نفسه يتكرر مع الحضارات المادية المعاصرة .. فليس عبادة عيسى عليه السلام من دون الله تعالى هي المشكلة فقط، ولا عبادة بوذا من دون الله .. وإنما المشكلة كذلك في الشرائع التي يشرِّعها الشركاء الكثيرون من دون الله تعالى .. ولذا فإن دولة واحدة فقط من دول الحضارة الغربية -أمريكا على سبيل المثال- يذهل الواحد منّا من كثرة أعداد المشرِّعين فيها؛ الذين يشرِّعون ويبتدعون لأنفسهم ما لم يأذن به الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}، ليفرز ذلك التشريع البشري كل تلك التخبطات التي تعيشها الحضارة الغربية المادية المعاصرة !!

إن عدد المشرِّعين الفدراليين في العاصمة الأمريكية لوحدها بلغ خمسمائة وخمسة وثلاثين مشرّعا -مائة لمجلس الشيوخ، والباقي لمجلس النواب- وقد دفعت تشريعاتهم ببلادهم إلى أنواع الانحطاط القيمي والأخلاقي الذي لم تبلغه البشرية من قبل قط، وهذه هي الديمقراطية في حقيقتها البائسة؛ التي يبشرون بها دول العالم اليوم !!

بل حتى المشرِّعون في كل ولاية من ولايات أمريكا؛ تجدهم بالعشرات -بين شيوخ ونواب- ولا تحتاج لتعرف تلك الأعداد في أي ولاية سوى ثوان؛ بسؤال محرك البحث قوقل !!

كما لا يحتاج المشرِّعون هناك إلا أن يقترح بعضهم قانونا -حتى لو كان قانونا لصبغ الشرعية على موضوع الشذوذ الجنسي- ثم يُسوِّقون له، ثم يُصوتُ عليه، فإن فاز بالأغلبية بات القانون تشريعا يحمي الشاذين بقوة القانون، وهذا هو الواقع الذي انحدروا إليه، وقد تحتاج بعض التشريعات إلى مصادقة المحكمة العليا !!

ولهذا تجد بعض الولايات سمحت باستخدام المارجوانا -الحشيش-، وأخرى لم تسمح به .. وبعض الولايات تتبنى حكم الإعدام، وأخرى لا تتبناه، مع أن كتبهم الدينية تأمرهم بالقصاص، جاء في سفر الخروج (21: 23-25): “وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل ..وكيا بكي، وجرحا بجرح، ورضا برض..” !!

وأمّا التشريع الشهير (Roe v. Wade) الذي صادقت عليه المحكمة العليا عام ١٩٧٣م؛ والخاص بالسماح للمرأة بالإجهاض في أمريكا؛ وأنها حرة في جسدها؛ فقد تسبب -ولا يزال- في قتل أعداد مهيلة من الأجنة الحية سنويا، ناهيك عن تسهيل فاحشة الزنا في مجتمعهم البئيس !!

ولو كانت هذه التشريعات تمس الجانب التنظيمي والإداري لحياتهم فقط؛ لكان الأمر مقبولا بل ومطلوبا، غير أن التشريعات مست جميع جوانب الحياة؛ الاجتماعية والأخلاقية والعسكرية والسياسية، بل وحتى دينهم المحرف؛ فصلوه عن الدولة !!

أخيرا: لقد أحكم الله تعالى وصفه في تشريعات البشر لأنفسهم فقال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة : ٥٠]، قال أهل التفسير: “أيريد هؤلاء اليهود أن تحكم بينهم بما تعارف عليه المشركون عبدةُ الأوثان من الضلالات والجهالات؟! لا يكون ذلك ولا يليق أبدًا، ومَن أعدل مِن الله في حكمه لمن عقل عن الله شَرْعه، وآمن به، وأيقن أن حكم الله هو الحق؟” !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!