التأمل المفيد (٢٦٨)

 الحلقة الثالثة من سلسلة “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر : ٨٧] !!

في هذه الحلقة من هذه السلسلة المباركة؛ سأسلط الضوء على أثر القرآن الكريم على الفرد المسلم -ذكرا وأنثى- من خلال النصوص الشرعية، سائلين الله تعالى أن يدفعنا ذلك إلى التنافس على فهم وحفظ كتاب الله تعالى .. وسأذكر هذه الدوافع من خلال محورين:

المحور الأول: تزكية النفس:

إن أعظم ما يطمح أن يصل إليه المسلم في هذه الدنيا القصيرة؛ أن يكون ممّن زكّاهم الله تعالى؛ وعلّمهم الكتاب والحِكمة، قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٥١] !!

وقد أقسم الله تعالى في سورة الشمس أحد عشر قسما؛ على أن تزكية النفس لا تكون إلا بطاعته فيما أمر؛ واجتناب ما عنه نهى وزجر، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: ٩-١٠]، قال أهل التفسير: “قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي” !!

وأوضح وأجلى من ينطبق عليهم قول الله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}؛ هم غير المسلمين، فإن نظرة سريعة إلى حالهم؛ والأزمة الأخلاقية التي تعتصرهم -بالرغم من عناية المثقفين منهم بغرس مصفوفات للقيم بينهم- إن نظرة سريعة إلى حالهم تبين لك أن عدم إيمانهم بالله تعالى؛ وبكلامه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حرمهم من تزكية أنفسهم، حيث جانبوا الطريق الموصل إلى ذلك، وفاتهم الإيمان بقول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ • وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ} [الأعلى: ١٤-١٦]، فأنى لهم أن يذكروا الله تعالى وهم لا يؤمنون به سبحانه؛ ولا بوحيه المنزل على خاتم رسله عليه الصلاة والسلام ؟!!

فإذا تبين للمسلم ممّا سبق ذكره واستيقن أن تزكية النفس لا تُدرك إلا بالانقياد لمنهج الله تعالى؛ فإن ذلك سيدفعه للمنافسة على فهم وحفظ الوحي المنزل على سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم؛ ليكون في صدره من كلام ربه تعالى ما يزكي به نفسه !!

المحور الثاني: قُدرة القرآن الكريم -بإذن الله تعالى- على هداية النفوس والتأثير فيها !!

وهذه خاصية جعلها الله تعالى في كلامه سبحانه، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢]، قال أهل التفسير: “وننزل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب مِنَ الأمراض، كالشك والنفاق والجهالة، وما يشفي الأبدان برُقْيتها به، وما يكون سببًا للفوز برحمة الله بما فيه من الإيمان” !!

هذا وإن فرحة المسلم بهذه الخاصية لكلام الله تعالى لا تعدلها فرحة، ومع ذلك فإن هناك من المسلمين من يغفل عن هذه الخاصية للقرآن الكريم !!*

ولو سأل سائل: ماذا نعني بقدرة القرآن الكريم على هداية النفوس والتأثير فيها؛ بإذن الله تعالى ؟

الجواب يكون بضرب الأمثلة:

ففي باب هداية النفوس: تأثُّر النجاشي رحمه الله تعالى -وهو أعجمي- بما قرأه عليه الصحابي من سورة مريم، فقال: “إن هذا -أي القرآن- والذي أنزل على عيسى -يقصد الإنجيل- يخرج من مشكاة واحدة”[سيرة ابن هشام (٣٣٦/١)]، قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: ٨٣] !!

والأمثلة كثيرة في تاريخ الإسلام الطويل على تأثير كلام الله تعالى في هداية الناس !!

وأمّا تأثير كلام الله تعالى في النفوس -خارج باب الهداية- فهو كثير، ومن أمثلته:

ما سنّه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كل ليلة عند التأهب للنوم؛ النفث في الكفين، والنفث فيهما، وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين فيهما، ثم نمسح بهما ما استطعنا مِن جسدنا، نفعل ذلك ثلاث مرات، [رواه البخاري (٥٠١٧)] !!

وكذلك ما جاء في السنة؛ من الحث على قراءة سورة البقرة؛ لإبطال وطرد السحر والسحرة، [رواه مسلم (٢٥٢)] !!

وكذلك الرقية الشرعية، ففيها من كلام رب العالمين ما يؤثر -بإذن الله تعالى- في شفاء المرضى !!
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى عن الفاتحة: “كان يعرض لي آلام مزعجة، وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط، جربت ذلك مراراً وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء”،[مدارج السالكين (٨٠/١)] !!

أخيرا: إن الدرس العظيم المستفاد ممّا سبق بيانه: هو أن الحاجات التي يقضيها الله تعالى بكلامه -حين يرتله المسلم، بعد إذنه سبحانه- لا تُعدّ ولا تُحصى، وعلى رأس هذه الحاجات تزكية النفس !!

أخي المسلم .. أختي المسلمة .. لنكن حريصين -في زمن كثُرت فيه الشبهات والشهوات؛ وسهل تسللها إلى بيوت المسلمين عبر الأثير- لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية في أوقاتنا -فهما وحِفظا- فإنه بذلك تزكو النفوس، وتتغشاها الرحمة، وتُقضى الحاجات؛ ببركة كلام الله تعالى المبارك، قال تعالى: {وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: ١٥٥] !!

اللهم أعِنّا على حُسن صيام الشهر وحسن قيامه !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!