الحلقة الثانية من سلسلة “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر : ٨٧] !!
يفتخر الكثيرون ويغتبطون بانتسابهم إلى الجامعات العريقة المرموقة، حيث يستقون منها ألوان العلوم المادية المختلفة، ويتنافسون في ضبط تلك العلوم بالفهم والحفظ !!
وكل ذلك حسن وجيد، مع أن هذه الجامعات لا يعدو علمها عن أن يكون نتاجا لعقول بشرية؛ ركّزت وأبلت في البحث في تخصصاتها؛ تنجح مرة وتتعثر في أخرى، وهكذا دواليك !!
فكيف عساه يكون اغتباط المسلم وفخره وحماسه لفهم وحفظ علم مصدره:
الحق تعالى الذي لا يقول إلا الحق، قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ} [البقرة: ١٧٦]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [سبأ: ٤٨] ؟!!
ومصدره: خالقنا؛ وخالق أدوات التعلم فينا؛ سمعنا وأبصارنا وأفئدتنا، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الملك: ٢٣] ؟!!
ومصدره: العليم تعالى الذي يعلم كل ما غاب عن علم الناس؛ ممّا في السماوات والأرض، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فاطر: ٣٨] ؟!!
ومصدره: الله تعالى الذي أوحى في كل سماء أمرها، قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: ١٢] ؟!!
ومصدره: الله تعالى الذي يعلم وحده نهاية هذه الدنيا، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: ١٨٧] ؟!!
ومصدره: العليم سبحانه الذي يعلم ما تحمل كل أنثى؛ وما تكسبه كل نفس في غدها، ويعلم كل نفس بأيِّ أرض تموت، قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: ٣٤] ؟!!
ومصدره: الله نور السموات والأرض، قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..} إلى قوله تعالى {.. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: ٣٥] ؟!، قال أهل التفسير: “الله نور السموات والأرض يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما، فهو -سبحانه- نور، وحجابه نور، به استنارت السموات والأرض وما فيهما، وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض” !!
ومن أراد الاستزادة من هذا العلم الشريف -العلم بالله تعالى مُنزِّل هذا القرآن العظيم- فليقبل على كتاب الله تعالى متدبرا متأملا؛ ليمتلئ قلبه تعظيما لله تعالى العلي الكبير؛ من له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، والأفعال الجليلة، قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} [طه: ٨]، ولا شك ولا ريب أن من يمتلئ قلبه تعظيما لله تعالى؛ سيمتلئ قلبه تعظيما لكلامه سبحانه؛ الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم !!
أخيرا: إن الدرس العظيم المستفاد ممّا سبق بيانه: هو أن العلم الحق والأوسع والأكمل ينتهي إلى الله تعالى، قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦]، قال أهل التفسير: “وفوق كل ذي علمٍ من هو أعلم منه، حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة”، وهذا -وأيم الله- لهو من أقوى الدوافع للإقبال على فهم وحفظ المزيد من آي الكتاب الكريم !!
وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥] !!
أخي المسلم .. أختي المسلمة .. لنكن حريصين -في زمن سرقت فيه وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الأوقات- لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية من أوقاتنا، فإن في ذلك عزنا في هذه الدنيا، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥]؛ وفي الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) !! [صحيح الترمذي (2914)] !!
اللهم أعِنّا على حُسن صيام الشهر وحسن قيامه !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!