الحلقة الأولى من سلسلة “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر : ٨٧] !!
قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: ٥٢]، ما كان صلى الله عليه وسلم يعلم -قبل أن يشرِّفه الله تعالى بالرسالة- ما كان يعلم أن خالق الكون سبحانه سيوحي إليه وحيا؛ تنتقل به البشرية نُقلة عظيمة؛ من الضلال إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور .. نُقلة كانت -ولا تزال- حديث العالم منذ ألف وأربعمائة سنة، وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها !!
والوحي أمره عظيم .. وحتى نستشعر عظمته فإن الله تعالى يقول: {حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: ٢٣]، قال أهل التفسير: “ومن عظمته وجلاله عز وجل أنه إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السماوات كلامه أُرعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي، فإذا زال الفزع عن قلوبهم سأل بعضهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ قالت الملائكة: قال الحق، وهو العليُّ بذاته وقهره وعلوِّ قدْره، الكبير على كل شيء” !!
وكان أول ما تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١]، فامتلأ قلبه صلى الله عليه وسلم إيمانا بعظيم ما خلق الله تعالى؛ الشمس والقمر والنجوم .. والجبال والشجر والدواب .. والطير والماء والهواء .. والأرض والناس والسماء !!
كما أيقن صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ • قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر: ١-٢]؛ أن إتقان الله تعالى وإبداعه لِما خلق في هذا الكون؛ لا يختلف عن إتقانه سبحانه وإبداعه لمنهجه القويم الذي ارتضاه للناس، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٥٤]، فقام صلى الله عليه وسلم بين الناس بشيرا ونذيرا !!
ثم إنه وإن كان الله تعالى قد خص سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم بالوحي؛ وبالرسالة الخاتمة، قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: ٤٠]؛ إلا أن الله تعالى يسر للمسلمين حفظ جميع أو بعض هذا الوحي في صدورهم؛ ليتلوه وليتدبروه وليعملوا به، قال تعالى: {الرَّحْمَٰنُ • عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: ١-٢]، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: ٢٩] !!
أخيرا: إن الدرس العظيم المستفاد ممّا سبق ذكره: هو أن نستحضر الهدف الأعظم الذي نزل هذا الوحي الرباني من أجله؛ وهو أنه ذِكر للعالمين، قال تعالى: {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} [القلم: ٥٢] .. وأنه إخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: ١] .. وأنه هدى ورحمة للعالمين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٥٧] !!
ولترسيخ هذه المعاني العظيمة في النفوس؛ ينطلق الموفقون من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ متنافسين في حفظ وفهم المزيد من آي الكتاب العزيز -الذي نقلت آياته الكريمة البشرية تلك النُقلة العظيمة- ولسان حال كل واحد منهم يبتهل بالدعاء إلى الله تعالى أن يجعله من المصلحين؛ الذين قال تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: ١٧٠] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!