التأمل المفيد (٢٦٥)

الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت : ٢٢] !!

نزلت الآية الكريمة في قوم كفار، كانوا يَسْتَخْفون بمعاصيهم؛ ظنا منهم أن الله تعالى لا يعلم ما يقترفون .. ولم يكونوا -كما بينت الآية الكريمة- يَسْتَخْفون بالمعاصي خوفا من أن تشهد عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم .. في الحديث: (اجْتَمع عِنْدَ البَيْتِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، فَقالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ ما نَقُولُ؟ وَقالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ، إنْ جَهَرْنَا، وَلَا يَسْمَعُ، إنْ أَخْفَيْنَا وَقالَ الآخَرُ: إنْ كانَ يَسْمَعُ، إذَا جَهَرْنَا، فَهو يَسْمَعُ إذَا أَخْفَيْنَا، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ علَيْكُم سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [متفق عليه]!!

والآية -بعد نزولها، وكذلك الأحاديث النبوية الصحيحة التي بينت مراد الله تعالى من الآية الكريمة- تُعدُّ أصلا مهما في ضرورة استحياء الإنسان من نفسه؛ بعد الحياء من الله تعالى، فهي تخبر عن شهادة أركان الإنسان عليه يوم القيامة -السمع والبصر والجلود- وهو أمر غيبي لم نكن لنعلمه لولا ما جاء فيه من كلام الله تعالى؛ وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم !!

وإذا كان الأمر كذلك؛ فأين عساه يختفي الإنسان من سمعه وبصره وجلده .. بل وأين يختفي من لسانه ويديه ورجليه، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور : ٢٤] ؟؟!! إلا أن يتخلص منها جميعا؛ وهذا من المُحال .. والأولى به إذن أن يستحيي من نفسه؛ قبل أن تشهد عليه !!

وبدلا من استحياء بعض الناس في عصرنا من الله تعالى؛ ثم من أنفسهم -التي ستشهد عليهم يوم القيامة- أخذوا يسجلون قبائح أقوالهم وأفعالهم -صوتا وصورة- في أجهزة تنشرها، لتشهد عليهم أسماع وأبصار وجلود قوم آخرين !!

والآية الكريمة -التي هي موضع التأمل-وإن كانت تتكلم عن أهل النار من الكافرين -حيث جاء قبلها بآيتين قوله تعالى؛ {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت : ١٩]- غير أنها تحمل بين طياتها موعظة بليغة لأهل الإسلام، خاصة المصرين على ارتكاب الكبائر -إذ هم بين المشيئة: إن شاء الله تعالى غفر لهم، وإن شاء عذبهم، ولكن لا يخلدون فيها- عليهم أن يستحيوا من أنفسهم؛ أن تشهد عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم يوم القيامة !!

أخيرا: إن استنطاق الله تعالى لأركان المجرمين -أسماعهم وأبصارهم وجلودهم- لتشهد عليهم يوم القيامة؛ دليل على عدل الله تعالى مع الإنسان، ففي الحديث: كنَّا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضحِك فقال : (هل تدرونَ ممَّا أضحَكُ) ؟ قُلْنا : اللهُ ورسولُه أعلَمُ قال : (مِن مُخاطَبةِ العبدِ ربَّه يقولُ : يا ربِّ ألَمْ تُجِرْني مِن الظُّلمِ ؟ قال : يقولُ : بلى قال : فإنِّي لا أُجيزُ على نفسي إلَّا شاهدًا منِّي فيقولُ : كفى بنفسِكَ اليومَ عليكَ شهيدًا وبالكرامِ الكاتبينَ عليكَ شهيدًا فيُختَمُ على فيه ثمَّ يُقالُ لِأركانِه : انطِقي فتنطِقُ بأعمالِه ثمَّ يُخلَّى بَيْنَه وبَيْنَ الكلامِ فيقولُ : بُعْدًا لكُنَّ وسُحْقًا فعنكنَّ كُنْتُ أُناضِلُ) [رواه مسلم (٢٩٦٩)]!!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!