التأمل المفيد (٢٦٠)

الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت : ٣٠]، قال أهل التفسير: “إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له، ثم استقاموا على شريعته، تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا تخافوا من الموت وما بعده، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها” !!

توفى الله تعالى خلال الأيام القليلة الماضة؛ قريبا لي وقريبة -مبطونين بالمرض العُضال- فأسأل الله تعالى لهما الشهادة، قال صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) [متفق عليه]، وأجدها فرصة بأن أبشر بما بشر الله تعالى به المؤمنين والمؤمنات عند خروج الروح فأقول:

والله وتالله وبالله إن البشارة التي تحملها الآية الكريمة؛ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}؛ لهي من أعظم البشائر القرآنية للمؤمنين والمؤمنات في هذه الحياة الدنيا !!
ولا ينبغي لمؤمن يحسن ظنه بربه تعالى إلا أن يمتلئ قلبه فرحا بهذه البشارة؛ محدثا بها نفسه قائلا: ستنزل علي ملائكة كرام -عند مجئ هادم اللذات إلي- لتقول لي: لا تخف ولا تحزن، وأبشر بالجنة !!

وكذلك -من باب حسن الظن بالله تعالى- أقول: لعل الملائكة قد تنزلت على فقيدنا الغالي مازن قاضي، وفقيدتنا الغالية بدرية الصديقي -رحمهما الله تعالى- حين موتهما، مبشرينهما بمغفرة الله ورضوانه وجناته؛ كما تتنزل على جميع موتى المسلمين الذين شهدوا لله بالوحدانية؛ ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ وماتوا على ذلك !!

وبمثل هذه المعاني التي تحملها هذه البشارة القرآنية؛ جاءت الأحاديث الشريفة الصحيحة بمزيد من التفصيل؛ لتبشر المؤمنين بتنزل الملائكة عليهم السلام بما يسرهم؛ وهم في سكرات الموت؛ كحديث البراء بن عازب الطويل؛ الذي جاء فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه؛ كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه؛ فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان) [صححه الألباني في صحيح الجامع (١٦٧٦)] !!

ألا كم ستعزز هذه البشارة الربانية من استقامة المؤمن الصادق، وتزيده ثباتا على دين الله تعالى حتى الممات؛ ليدخل في زمرة المُبَشَرين برضوان الله تعالى وجنته؛ عند خروج روحه، غير خائف ولا حزين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ • أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف : ١٣-١٤] !!

وأخيرا: سبحان من بشر المؤمنين بميتة هنية، وبشر الظالمين بميتة شقية !! فهناك من الناس من سيكون حالهم عند الموت على عكس حال المؤمنين الصادقين .. إذ يعلم الظالمون اليهود ومن هم على شاكلتهم من أصحاب الملل والنحل الباطلة؛ أنهم سيسمعون من المَلَك ما يسوؤهم؛ عند خروج أرواحهم: (أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب)[صححه الألباني في صحيح الجامع (١٦٧٦)]، ولذلك تحداهم الله تعالى أن يتمنوا الموت، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ • وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}، فهم لن يتمنوا الموت لعلمهم بسوء ما قدّموا في دنياهم من شرك وظلم وضلال وفساد؛ وما يتبع ذلك من عذاب وهوان عند الموت، ناهيك عن عذاب القبر، قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر : ٤٦] !!
 
اللهم أنزل موتانا وموتى المسلمين منازل الصدّيقين، والشّهداء، والصّالحين، وحسُن أولئك رفيقًا !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!