التأمل المفيد (٢٥٥)

الحلقة الثالثة والعشرون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !! 

قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} [طه : ٨] !!

الإنسان عبد فقير ذليل أصله من نطفة، يريد ربه العلي الغني الكبير أن يتفضل عليه ويعرّفه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ •هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ • هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر : ٢٢-٢٤] !!
 
ماذا يعني هذا الأمر لهذا العبد الذي أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟!

فأمّا سبب اختيار هذا الموضوع الكبير الجليل للحديث عنه فهو ما نراه عند البعض من ضعف معرفي وتعبدي في التعامل مع خالقنا من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلا، لا يرقى إلى المستوى المطلوب، ولا يتناسب مع عظمة هذه الأسماء التي هي لله تعالى العظيم خالقنا ورازقنا المحي المميت !!

يقول الإمام بن السعدي رحمه الله فِي تعظيم موضوع الأسماء والصفات: “المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته، وتعبده بها لله، لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها، وهي أفضل العطايا من الله لعبده ، وهي روح التوحيد ورَوحه، ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص، والإيمان الكامل الذي لا يحصل إلا للكُمّل من الموحدين ..” انتهى كلامه !!

وَممّا يدعو إلى العجب أنه في نفس الوقت الذي يبخل البعض على نفسه في  أن يرتقي بعلاقته مع الله من خلال القرب المعرفي والتعبدي بأسماء الله وصفاته، تجده يفرح بعلاقته القوية لشخص عبقري مبدع صاحب عقل كبير ورزين ؛ لِما قد تعود عليه هذه العلاقة من أثر إيجابي على تفكيره  وسلوكه !!

ولله المثل الأعلى .. إذا كان تقديرنا لبشر متميز أمر بدهي يمارسه العقلاء، فكيف عساه يكون تقديرنا لخالقنا الذي له تسعة وتسعون اسما سبحانه . الحكيم الذي خلق كل المفكرين والمبدعين وخلق عقولهم !!

لذلك ينتفع المؤمن من الآيات التي خاطب الله تعالى بها الكفار الذين لا يقدرون الله تعالى حق قدره كقوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره) وقوله تعالى: (مالكم لا ترجون لله وَقَارا)  وغيرها من الآيات كثير ، ينتفع بها المؤمن ليحذر من التقصير في جنب الله تعالى ، قال تعالى: (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين) !!

وأمر مهم آخر سبّب هذا الضعف عند البعض في العلاقة بالله تعالى، هو ضعف استشعارهم لوجود الله تعالى مقابل قوة العلاقة مع الناس ؛ لأنه يلمس وجودهم ويتحدث معهم !!

إن مناجاة الله تعالى بأسمائه الحسنى  مصطحبا ذلك باستشعار قلبك أنه يسمعك ويراك، يزيدك استشعارا بوجوده سبحانه ، أمّا ذكر اللسان مع غفلة القلب فهو ما يذهب لذة استشعار وجود الله تعالى، كما تذهب معها لذة المناجاة !!

علينا ونحن نتعامل مع أسماء الله تعالى  الحسنى وصفاته العلا أن ندرك أننا نتعامل مع أسماء الله التسعة والتسعين، التي لا يستطيع كل البشر مجتمعين على الإحاطة بعلم واحد منها .. سبحانك ما أعظمك !!

فهل يعلم البشر عن جميع آثار رحمة الله في السماوات والأرض وما بينهما ؟!

وهل يعلم البشر عن سعة غنى الله الغني مالك الملك ؟!

وهل يعلم البشر عن اسم الله الكبير سوى أنه أكبر شيء في الوجود، عرفنا ذلك مما ورد من نصوص عن حجم السماوات والأرض بالنسبة للكرسي وعن حجم الكرسي بالنسبة للعرش ، والله تعالى مستو على عرشه استواء يليق بجلاله !!

ولنأخذ اسما واحدا ، اسم الله العظيم :
كيف تستشعر في قلبك عظمة ما يعنيه هذا الاسم الذي نسبح به الله تعالى في ركوعنا ؟ ماذا جال في بالك من المعاني ؟! 
والله لو جلست الدهر كله تفكر في عظمته لما توصلت إلا إلى معرفة ما سطره القرآن الكريم عنها ، فكيف بما لا نعلمه ، فإذا كان الأمر كذلك فأي طعم بالإيمان سيستقر في قلبك ؟! 
لا شك أن قلبك سيرفرف فرحا أنك تناجي العظيم سبحانه !!

ثم ماذا تريد من هذا العظيم سبحانه أن يجود عليك به ، اطلب ما يناسب هذا الاسم فالله يسمعك وأنت تطلبه ،  اسأله أن يرزقك زيادة في تعظيمه ، واسأله أن يجعلك معظما لشعائره وحرماته سبحانه، واسأله أن يجعل أمة الإسلام أمة عظيمة ، واسأله أن يرزقك رزقا عظيما وأجرا عظيما ، واسأله أن يجعلك خادما للإسلام عظيما ، واسأله أن يجعلك من أعظم الذاكرين ومن أعظم الشاكرين ومن أعظم الصابرين ومن أعظم المستغفرين ومن أعظم الصادقين ومن أعظم المنفقين ومن أعظم العابدين .. واسأله غيرها من الحوائج ؛  فالله جواد كريم !!

هذا اسم واحد يملأ قلبك حبا لله وتعظيما له، ولك حوائج كثيرة تسألها بعد أن تستشفها من ذلك الاسم ، فكيف إذا عشت هذه المشاعر مع كل اسم من أسماء الله تعالى ؟! تلك الكنوز التي يملكها رب العالمين وحده !!

اللهم زدنا معرفة بك وقربا منك وحبا لك حتى نكون كما قلت في كتابك: (والذين آمنوا أشد حبا لله) !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!