الحلقة الخامسة والخمسون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ} [يونس : ٢]، قال أهل التفسير: “أكان أمرًا عجبًا للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم” !!
من أقبح وأبشع الظلم الذي يقع فيه غير المسلمين -في الماضي والحاضر والمستقبل- رفضهم الانقياد لكتاب الله تعالى .. وهذا الرفض لكتاب الله يأتي في صور مختلفة، منها تعجبهم من أن يكون لله تعالى كتاب من عنده؛ أوحاه إلى رجل منهم: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ}، بالرغم من إقرارهم بأنه خالق كل شيء !!
ومنها ادعاؤهم أن القرآن إفك افتراه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} [الفرقان : ٤] !!
ولبيان غرابة وغباء من يتعجب من نزول الوحي على رجل من الناس؛ مع إقراره بأن الله تعالى خالق كل شيء؛ أسوق مثالا:
لو استكثر بعض الناس على رجل -يشهد له الجميع بالذكاء والتميز؛ وقد شيّد وشغّل مصنعا ضخما بعلمه وخبرته- لو استكثروا عليه أن يكتب كتابا يصف فيه إجراءات تشغيل هذا المصنع الذي أنشأه؛ لكان ذلك غاية في الغرابة والغباء !!
ولله المثل الأعلى .. فبالرغم من إقرار المتعجبين من نزول الوحي بعظمة الله تعالى وأنه خالقهم وخالق السماوات والأرض وما بينهما -كما قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [الزخرف : ٨٧]- إلا إنهم يستكثرون على العظيم أن ينزل كتابا؛ يوحيه إلى رجل من الناس !!
ولذا كان أعظم رد على المتعجبين من تنزل الوحي؛ هو بيان تناقضهم؛ بين إقرارهم بعظمة الخالق سبحانه، وبين تعجبهم من نزول الوحي، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان : ٦]، فهم يقرون في مواضع كثيرة في القرآن بعلم الله تعالى لما في السماوات والأرض؛ كقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف : ٩]، يقولون إنه سبحانه “العليم” ثم يستكثرون عليه أن ينزل عليهم كتابا !!
وفي عصرنا تتكرر ظاهرة تعجب الناس من تنزل وحي الله تعالى على رجل منهم: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ}، تتكرر في رفض الحضارة المادية المعاصرة للغيبيات -ومنها القرآن الكريم- وزعمهم أن كل شيء يجب أن يخضع للمعمل والمختبر؛ حتى القيم !!
وأخذوا يتهكمون بالشريعة -بالرغم من اكتشافاتهم العلمية الكثيرة في الآفاق وفي أنفسهم؛ التي عكست لهم عظمة الخالق سبحانه- يرفضونها لأنهم يجهلون شريعة الله تعالى؛ ولا يعلمون الحق، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية : ١٨]، وكان نتيجة هذا الإنكار للغيبيات أن خسروا هدي القرآن الكريم لهم في الدنيا والآخرة !!
وأخيرا: لابد للبشرية أن تعلم أن من لطائف رحمة الله تعالى بهم؛ أن اختار لهم وسيلة -لبيان هديه- قد عرفوها وألِفوها؛ وهي الكتاب .. فالبشرية قد ألِفت الكتابة والكتب؛ يحفظون بها عهودهم ويسطرون فيها تاريخهم وكثيرا من أمورهم، لذلك امتن الله عليهم بإنزال كتاب يُتلى عليهم، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت : ٥١] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!