الحلقة التاسعة عشرة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم : ٣٢] !!
في القرآن الكريم يتحدث الله تعالى كثيرا عن الخاسرين من المجرمين والكافرين والمنافقين والمشركين .. وعن مصيرهم المخزي إذا ماتوا على حالهم وبُعدِهم وشِقاقِهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم !!
فكم مرة حمدت الله تعالى أنك لست منهم .. وتذكرت قولة عيسى عليه السلام .. {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} .. بعد حمدك لله تعالى أن هداك وجعلك من المؤمنين !!
ومن جهة أخرى هل نعلم لماذا نحتاج لمثل هذه المشاعر المفعمة بالفرحة أننا لسنا من أولئك الخاسرين ؟!
الجواب: أننا نحتاج إليها أولا: حتى لا تُكبل الذنوب التي يقع فيها المؤمن نشاطه، فكل ابن آدم خطاء .. لكن حين ينسى المؤمن ما أحاطه الله به من رحمتة ومغفرته وأن خير الخطائين التوابون .. وحينما ينسى أن الشرك هو الذنب الوحيد الذي لا يُغتفر، إلا بالتوبة منه قبل الممات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج : ١٠] .. حين ينسى المؤمن ذلك وغيره من رحمة الله وتنوع أسباب عفوه، ويرى أنه بسبب ذنوب ارتكبها صار وكأنه من الجبابرة الأشقياء الخاسرين، فإن هذ مدخل كبير لليأس والقنوط من رحمة الله الرحيم الودود .. {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : ٥٣] .. بل هذا هو عين نظرية الخطيئة عند النصارى التي يئستهم من رحمة الله تعالى .. فلم يجدوا لها حلا إلا الشرك بالله تعالى، فعبدوا عيسى عليه السلام ليخلصهم، بزعمهم، من خطاياهم !!
ونحتاج إليها كذلك لئن ما يحاك للأمة المسلمة من قبل شياطين الإنس والجن من كيد ومكر يُحزِن الذين آمنوا .. {إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة : ١٠] .. يحزنهم ذلك الكيد ويدخلهم في قلق ووسوسة وسلبية .. فإذا نجح إبليس وجنده في جعل المسلمين لا يحسنوا سوى جلد الذات لتقصير جيل سبقهم .. وينسيهم إيمانهم بالله تعالى، وكأنهم والأشقياء سواء، دفعهم ذلك إلى ضياع الأوقات في تأنيب الضمير وتضخيم الأمور .. وهم أحوج ما يكونوا إلى مشاعر الفرحة والعلو بإيمانهم والتفاؤل والتوكل على الله وتقديم العمل الإيجابي المثمر والنافع لدفع ودحر كل كيد !!
وأخيرا: نحتاج إلى هذه المشاعر المفعمة بالفرحة بأن الله تعالى لم يجعلنا من الجبارين الأشقياء، حين يأذن سبحانه بقبض روح جبار شقي، لنستشعر ما وصف الله تعالى في كتابه حال المحتضر إذا كان من الخاسرين .. {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام : ٩٣] .. فبمجرد تناقل وسائل التواصل خبر وفاة خاسر من الأشقياء – مع أننا لا نقطع لإنسان بجنة ولا نار ولكنها مشاعر تجاه من مات وهو في علم الله تعالى من أهل النار- مشاعر عديدة سترد على خاطرك .. تُرى هل تاب من كفره قبل غرغرت روحه .. وإذا لم يتب من كفره، تُرى كيف قُبِضت روحه .. تُرى ماذا كانت أحاسيسه وهو يلفظ آخر أنفاسه .. بأي لغة قال: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون : ٩٩] .. ما الذي سينفعه بعد موته إذا مات كافرا .. ترِد كل هذه الخواطر عليك لتغمرك الفرحة لإيمانك بالله تعالى .. وأن حياتك الإيمانية جعلتك على النقيض من ذلك الشقي الذي حادّ الله وحادّ منهجه .. حيث تملأ حياتك بالاستغفار تارة .. والتكبير تارة .. تنطق الشهادة في صلواتك مرات ومرات .. تصوم وتزكي .. تدعو إلى الله .. تقرأ القرآن الكريم وتتدبره .. وتفعل الخير كما هو شأن المؤمنين دائما .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج : ٧٧] .. فتعمك فرحة غامرة حتى عند موت أحد الكافرين أن الله لم يجعلك جبارا ولا شقيا !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!