الحلقة السابعة عشرة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : ١٢٣] !!
ماذا نعرف عن الحنيفية السمحة ؟!
الحنيفية: هي الإسلام: منهج حياة صحيح قويم، لا باطل فيه ! اختاره الله تعالى للإنسان ، ليعيش وفقه في هذه الدنيا، فيسعد سعادة لا توازيها سعادة !!
وعلاقة الإنسان بخالقه -منزل هذا المنهج- خلال دنياه وآخرته، هي *علاقة الكرم من الله تعالى لعباده، قال تعالى في أول ما أنزل من قرآن كريم على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق : ٣] !!
يبدأ كرم ربنا، ببناء دينه ومنهجه على أركان عِظام يحتاجها الناس أشد من حاجتهم إلى الماء والهواء .. فبعد الشهادتين، أكرمه ربه بالاتصال به، في صلاته .. وأمره بالارتفاع بروحه على رغبات جسده، بصيامه .. وأوجب عليه العطف على الفقراء إذا كان موسرا، بإخراج زكاته .. وإذا استطاع، قام بحج بيته تعالى، الذي زاره الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام، تعميقا للحنيفية التي كان عليها الخليل إبراهيم -باني البيت عليه السلام- في قلب المؤمن ونفسه !!
فانظر إلى سماحة هذا الدين ويسره، وحاجة البشرية -التي جمعت بين الفقراء والموسرين، والجهال والمتعلمين- إلى هذه الأركان، قال تعالى عن دينه السمح: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة : ٥] !!
وحتى تستمر سماحة هذا الدين الحنيفي، بكرم من ربنا الأكرم، نجد أن هناك صمامات أمان لابد من الوعي بها والعمل بموجبها:
أول صمام أمان لاستمرار سماحة هذا الدين: أنه لا يحتاج إلى زيادة في العبادات، تجعل المسلم في حرج من أمره ! حيث لديه ما يشغله ويكفيه من النشاطات الخاصة .. أكل وشرب للطيبات .. وتزين باللباس وتزوج للنساء .. حيث يختلط التلذذ والاستمتاع بكل هذه الطيبات بمعنى العبادة، في منهج رباني بديع، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن الجماع : (وفي بضعِ أحدكم صدقةٌ) قالوا: يا رسولَ اللهِ ! أياتي أحدنا شهوتَه ويكون لهُ فيها أجرٌ؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان لهُ أجرًا).[رواه مسلم 1006] !!
كذلك لا يحتاج إلى نقصان فيما فرض عليه من عبادات، تجف معه روحه العطشى لحياة الإيمان بالله خالقه العلي الكبير !! .. ويكفي بمنهج الإسلام سماحة أن جعل الله له الأرض كلها مسجدا وطهورا .. أينما أدركته الصلاة، صلى !!
إنه المنهج الرباني السمح الذي يَدَعُ الإنسان -خارج أوقات عباداته، وخارج ساعات أخذ حقوقه وأداء واجباته- يمارس ما يحب من مختلف أنواع النشاطات الإيجابية الأخرى، التي لا تصطدم -بفضل الهدي الرباني- مع فطرته وكيانه .. نشاطات تنفعه وتنفع مجتمعه .. كان من أهمها وأعظمها: دعوة الناس إلى تفهم هذه الحنيفية -التي لا ترتاح النفس البشرية إلا بتبنيها- في رحلة الحياة القصيرة على هذه الأرض الصغيرة، حيث قد فطره الله عليها !!
ثاني صمام أمان: في علاقاته مع الغير، أن وضع له ربه الأكرم في هذا الدين السمح واجبات وحقوقا، يسعد بها الجميع .. وحذره في هذه العلاقات من أن يتجه بها نحو منهج مخلوق آخر يسمى الحيوان، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان : ٤٤] .. فالحيوان مسموح له الاقتتال على أنثاه ، بخلاف الإنسان الذي له طريقه الراقي في الاقتران بشريكة حياته: من خطبة، ثم عقد، فزواج على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
ولا يتطلب منه منهجه التطلع إلى الارتقاء نحو منهج مخلوق ثالث سماههم الله تعالى بالملائكة الكرام، عليهم السلام !!
فلا حياة الحيوان والغاب تصلح له .. ولا حياة الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم تصلح له !!
فلا رهبانية في الإسلام، كتلك التي ابتدعها النصارى !!
لا يصلح للإنسان، الذي كرمه الله تعالى، إلا المنهج الذي وضعه الله تعالى للإنسان، بضعفه وشهواته، وتطلعاته وآماله !!
ثالث صمام أمان لحفظ هذا المنهج الحنيفي السمح: ألا يبغي بعضهم على بعض، قال تعالى عن هذة الآفة القديمة في تاريخ الإنسانية، والتي طالما تسببت في افتراق الناس واحترابهم: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ} [الشورى : ١٤] !!
ثم أراد له الكريم الأكرم سبحانه بعد هذه *السعادة الدنيوية اللذيذة المبهجة -وفق المنهج الحنيفي السمح- سعادة أخروية عظيمة خالدة،* بالقرب منه سبحانه: خالقه ورازقه ومحييه ومميته .. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ • جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة : ٧-٨] !!
وأخيرا : فهذا حديث قدسي عظيم، يقول فيه صلى الله عليه وسلم : (يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً) رواه مسلم .. وفيه دليل على سلامة فطرة الإنسان، كما يذكرنا الحديث بأن عدو الإنسانية الأكبر والأزلي هو الشيطان الرجيم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!