التأمل المفيد (١٤٨)

الحلقة السادسة عشرة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود : ٦٦] !!

فقد أُثِر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – في رسالة طويلة: (أما بعد: فإني آمرك, ومن معك من الأجناد, بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب, وآمرك, ومن معك, أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ..) [العقد الفريد ١/١١٧] !!

ما هو حجم ترسانة الأسلحة التي كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعتمد عليها، حتى يقول لسعد بن أبي وقاص قائد جيشه، ذلك الكلام العجيب ؟!

إنه من الخطأ بمكان أن نظن أن عمر رضي الله عنه -بكلماته التي قالها لسعد رضي الله عنه، عن تقوى الله والبعد عن الذنوب، مع اتخاذه كافة الأسباب المادية المتاحة- كان لا يعرف ترسانة الأسلحة المتنوعة التي لا حدود لحصرها، والتي سيتحقق بها النصر على الأعداء !!

فيا تُرى ما الذي كان يعتمد عليه الفاروق رضي الله عنه من ترسانة أسلحة، بعد تقوى الله وتجنب معاصيه، واتخاذ الأسباب  ؟!

كان يعتمد بعد تقوى الله واتخاذ ما يستطيع من أسباب، على ترسانة أسلحة أخرى من عند ربه العزيز الجبار المتكبر، لا توازيها كل أسلحة الدمار الشامل الموجودة في كل قارات الأرض !!

كان يعتمد رضي الله عنه على حمم العذاب من الرباعية الربانية: الريح والصيحة والخسف والإغراق، قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت : ٤٠] .. وما الأعاصير التي تضرب غير المسلمين في هذا الزمان إلا مثال على قوة هذه الرباعية الربانية وشدة تدميرها !!

وكان يعتمد رضي الله عنه على تدمير قرى بأكملها على رأس أهلها الكافرين، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود : 102] .. وما الزلازل المدمرة التي تضرب غير المسلمين في هذا الزمان إلا مثال على قوة هذه الرباعية الربانية وشدة تدميرها !!

وكان يعتمد على كتيبة من الملائكة تنزل من السماء لتبيد الكافرين، كما حصل في غزوة بدر، قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال : ١٢] !!

كان رضي الله عنه يعتمد على كل تلك الأسلحة التي ذكرها الله في كتابه، وغيرها كثير، فلله جنود السماوات والأرض !!

ويبقى السؤال الأخير الذي يطرح نفسه بقوة: من الذي علمّه أن النصر إنما هو من عند الله فقط، مهما اتخذت يا فاروق، رضي الله عنك من أسباب، أو حتى لو أنزل الله تعالى لك ملائكة يقاتلون معك ؟!

الجواب: ربه سبحانه علمه ذلك، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران : ١٢٦]، قال أهل التفسير: ” وما جعل الله ذلك الإمداد إلا بشارة لكم بالنصر، ولتسكن به قلوبكم، وتوقنوا بنصر الله لكم، وما النصر إلا من عند الله، لا بشدة بأسكم وقواكم. إن الله عزيز في ملكه، حكيم في تدبيره وشرعه” !!

يا إلهي ما أعظمك ! .. حتى الملائكة الذين تنزلهم لنصرة المؤمنين، تريد منا ألا نتعلق بهم، وألا نركن إليهم .. تريدنا أن نأوي إليك ونتوكل عليك وحدك، فأنت الركن الشديد !!

أخيرا: إنه درس عظيم ذلك الذي تعلمناه من الفاروق رضي الله عنه، مفاده: أن اتخاذ الأسباب للإعداد المادي من قبل المسلمين، مهما نجح وأثمر وأنتج أكبر وأضخم أسلحة الدمار الشامل، كما وكيفا وأدق تقنية، يظل من المنظور الشرعي ضئيلا ضئيلا، ولا يساوي هباءة من أسلحة ملك الملوك التي ينصر الله بها عباده المؤمنين الموقنين الصادقين، التي استعرضنا بعضها في هذا المقال .. قال تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح : ٧] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!