التأمل المفيد (١٤٧)

الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس : ٥٨] !!

أظهر الفرحة بكتاب ربك العزيز  !!

وصف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم المعظِّمين للقرآن الكريم بأوصاف عدة:
منها زيادة إيمانهم عند تلاوته، ومنها أنهم أهل الله تعالى وخاصته، ومنها أن جلودهم تقشعر عند ذكر الوعيد ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الوعد،كما قال أهل التفسير، ومنها وهو الشاهد في حديثنا فرحتهم بالقرآن كمؤشر ظاهر ومحسوس لا يمكن أن يخفيه الإنسان عن قسمات وجهه إذا تحققت دواعيه !!

وللتبسيط، فهنا مثال على قوة مؤشر الفرحة المحسوس الظاهر :
لو أن شخصا محتاجا، في حالة من الضيق والكرب أكرمه الله تعالى بمبلغ أكبر من حاجته بكثير ، هبة ساقها له تعالى على يد أحد المحسنين، ما الذي سيرتسم، لا محالة، على وجهه ؟
إنها الفرحة التي تعبر عن مشاعره، بما لا تستطيعه عشرات الكلمات من عبارات الشكر والامتنان التي ستخرج من فمه !!

فإذا كانت الفرحة تظهر على وجه الإنسان لحيازة مال أو متاع دنيوي فكيف عساها تكون فرحتنا بكلام ربنا،وصدورنا قد حفظت بعضه أو كله والمصاحف تملأ البيوت والمساجد وحتى الفنادق ؟

قال تعالى عن الفرحة بكتابه العزيز: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}، والمقصود هنا الفرحة بالقرآن كما قال أهل التفسير، حيث قال الله تعالى في الآية التي قبلها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس : ٥٧]، وقال في آية أخرى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [الرعد : ٣٦] !!

هل نحن نعيش هذه الفرحة بكتاب ربنا ؟ وهل يراها غيرنا من الناس  على قسمات وجوهنا فيعرفون بطريقة أو أخرى أن فرحتنا سببها حبنا للقرآن الكريم، لأنه  عرفنا بربنا ؟!

هل لهذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه دور في استدامة ظهور البسمة على وجوهنا ؟ لقد كان صلى الله عليه وسلم،-بالرغم من جهاده وبذله وهمومه-،كان بأبي هو وأمي لا يُرى إلا مبتسما ، وحتى عندما يمر عليه شيء من الأحزان العابرة، كموت زوجه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، أو وفاة ابنه إبراهيم، سرعان ما تعود له ابتسامته بعدها ؛ ففرحته صلى الله عليه وسلم بكلام ربه، وهو الذي نزل عليه: {فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، أدامت له تلك الابتسامة، التي تعكس لذة في القلب لا توازيها لذة !!

 لعل من مؤشرات فرحتنا بكتاب ربنا أن يكون أهم عمل نقوم به يوميا ونوفر له وقتا كافيامن بين الألف وأربعمائة وأربعين دقيقة هو الإقبال بلهفة وشوق على قراءة ما يتيسر من القرآن الكريم ؛ لنستضيء بنوره ونهتدي بهديه !!

ومؤشر آخر أذكره من بين مؤشرات فرحتنا بكتاب ربنا .. في مجالسنا التي تجمعنا بإخواننا ومعارفنا وزملاء عملنا هل يكون من أهم موضوعاتنا إظهار مشاعرنا الجياشة تجاه عظمة كتاب ربنا ؟!
أم أننا أصلا نحتاج إلى واعظ يلقي علينا كلمة يدفعنا فيها للإقبال على الوحي المنزل !!

وتبقى الحقيقة التي علينا استيعابها: أننا سنعطي كتاب ربنا وقتا واهتماما إذا كنّا فرحين به ، لكنه سيكون ثقيلا على بعضٍ منا إذا افتقد الفرحة التي وجه القرآن لأهميتها: {فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، كما مر معنا في أول المقال !!

أخي المسلم ،أختي المسلمة ،اعمل كل ما بوسعك لتجلب الفرحة إلى نفسك بمعرفة كتاب ربك ، وأهمها على الإطلاق قراءة القرآن بترتيل .. قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل : ٤]، ومعنى الترتيل ليس كما يظن  بعض الناس أنه متعلق بالصوت الجميل فقط، الترتيل: التأني والتمهل في قراءة القرآن ؛  فقد بوب الإمام البخاري رحمه الله – باب الترتيل في القراءة – قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، هوالتأني والتمهل في القراءة والترسل، الذي يقع منه تدبر الآيات، وتفهم المعاني، والوقوف عند حدوده، وتحسين التلاوة !!
ولا تكن كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : (ولا يكن هم أحدكم آخر السورة) وهذا حال الكثير ؛ همهم ختم القرآن حتى لو لم يستفد منه فيقرأ بسرعة مُخِلة !!
فكيف ستأتي الفرحة بكتاب الله لمن لا يهمه أن يعي ما يقرأ ؟!
قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة : (فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب) !!
وأعيد فأقول أنك لن تتدبر إذا قرأت بعجلة، مخالفا قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، وقد أفردت بحثا مختصرا حول هذه الآية الكريمة لأهمية الموضوع !!

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو الذي ما ترك تلاوة كتاب ربه وقَتَلَتَهُ يحاصرون داره : (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم) !!

ألا فلنطهر قلوبنا من كل صارف يصرفنا عن كتاب ربنا قولا كان هذا الصارف أو عملا !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!