الحلقة السادسة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء : ٤٣] !!
لماذا يفرح بعض المسلمين بصلاتهم فرحا عظيما لا يجاريه فرح .. فرحا يجعله يتلهف إلى الصلاة بعد فراغه منها، ليقف من جديد بين يدي ملك الملوك سبحانه ؟
فالجواب أشارت إليه الآية الكريمة التي هي موضع التأمل .. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} .. إن العلم بما نقوله في الصلاة هو السبيل إلى تعظيم قدر الصلاة .. صحيح أن الآية الكريمة نزلت قبل تحريم الخمر .. لكن استحباب الحياة الدنيا وتفضيلها على الآخرة خمر من نوع آخر، له سكرة لدى البعض، تخرج به من الخشوع في صلاته إلى عالم الدنيا، لتنسيه حتى ما يقرأ أو يسمع من قرآن في الصلاة .. وقد تزيد سكرة بعضهم بالدنيا وزخرفها فيتكاسل عن الصلاة، بل قد يتركها، ولذا جاء الحديث في القرآن الكريم عن خطورة تفضيل الدنيا على الآخرة قبل تحريم الخمر وبعده !!
لنقف وقفتين مع معاني بعض ما نقوله في صلاتنا، لنرى كيف تزداد فرحتنا بالوقوف بين يدي الله تعالى :
ممّا نقوله ونكرره في صلاتنا التكبير .. (الله أكبر) .. فهل وقفنا واستشعرنا هذا الاسم لله تعالى (الكبير) .. الذي كبُر وعلا في ذاته، فهو أكبر من كل شيء، وأعظم، وأجلّ، وأعلى، من كلِّ شيء سبحانه ؟!
لقد بين سبحانه وبين رسوله صلى الله عليه وسلم أن السماوات والأرض صغيرة وضئيلة بجانب كرسيه سبحانه، قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة : ٢٥٥] .. فكيف بعرش الرحمن، الذي بين لنا صلى الله عليه وسلم أن الكرسي بجانب العرش كأنه حلقة ملقاة في فلاة ؟! .. مع إيماننا أن الله تعالى مستو على عرشه استواء يليق بجلاله، بدون تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل !!
ففرحتنا في الصلاة لا تضاهيها فرحة حينما نستشعر اسم الله (الكبير) .. وأننا نقف بين يديه سبحانه، عالمين موقنين أنه أكبر شيء في الوجود !!
ومن المفارقات أن بعض من لا يخشع في صلاته وتخرجه وسوسة شيطانه بالتفكير في أمور دنياه، لو دُعي إلى حفل يرعاه شخصية ذات شأن ومنصب مرموق .. تجده يقدّر ويجّل راعي الحفل !!
ومِمَّا نقوله كذلك في صلاتنا (سمع الله لمن حمده) عند الرفع من الركوع !!
لا تقل في صلاتك سمع الله لمن حمده وحسب .. بل قلها وتأكد من أن قلبك يعيش معناها .. لأننا نؤمن أن الله تعالى سميع بصير !!
ولا تكن حالتك هذه في مناجاة الله تعالى بهذا اليقين أن الله تعالى يسمعك، عند الرفع من الركوع فقط .. بل اجعلها في كل حال تناجي فيه الله تعالى في جميع أوضاع صلاتك .. سواء كان تسبيحا أو دعاء أو قراءة قرآن .. واعلم أن الله تعالى يسمع كل مصل .. لا تختلط عليه أصوات المصلين ومناجاتهم، ولو كانوا بالمليارات .. المهم أن تستشعر في صلاتك أنه سبحانه يسمعك !!
وامّا ثمرة الوقوف بإجلال وخشوع بين يدي رب العالمين الكبير والسميع، فهو أن نخرج من الصلاة وقد ازددنا إيمانا وعملا بالآيات التي قرأناها في صلاتنا الفردية أو طرقت مسامعنا من تلاوة الإمام .. لأن الله تعالى يقول : {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان : ٧٣] !!
هذه هي الثمرة الكبرى المرجوة من الصلاة، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال : ٢] .. بيوت يرتادها رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن أن يكون ذكر الله أكبر شيء في قلوبهم .. لأنهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار !!
وأخيرا: نعلم جميعا أن المسلمين يؤمنون بأن الله تعالى كبير وسميع، ولكن المشكلة أن البعض ينسى استشعار معاني هذه الأسماء الحسنى أثناء قيامه بين يدي ربه العظيم، مع أنه يكرر في صلاته (الله أكبر) و (سمع الله لمن حمده) !!
لقد بلغت آخر إحصائية للجوامع والمساجد في العالم ثلاثة ملايين ونصف .. تُرى كيف سيكون أثر هذه الجوامع والمساجد، في ترسيخ معاني الإسلام العظيمة لدى المسلمين في أرجاء الأرض، لو جاء كل مصل مستشعرا وقوفه بين يدي الكبير والسميع .. طامعا في زيادة إيمانه، واستيعاب كلام ربه .. ليعود بعد الصلاة إلى بيته أو مقر عمله، يتدارس معهم معاني ما مر عليه من قرآن في صلاته ؟!
لنتعاون على إيصال هذا المقال عن الصلاة لكل مسلم نعرفه .. ذلك أن إقامة الصلاة بين يدي الله بما يستحق سبحانه من خشوع وتذلل، حل جذري لجميع مشاكل هذه الأمة .. قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت : ٤٥] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!