الحلقة السابعة عشرة من سلسلة “بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم”، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا} [الإسراء : ٩٤] !!
بينت -بتوفيق من الله تعالى- في الحلقات الماضية من هذه السلسلة؛ الحكمة الربانية العظيمة من كون الرسل عليهم الصلاة والسلام بشرا من البشر، قال تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} [الإسراء : ٩٣]، ذلك أن الإسلام لا يكتفي بالإيمان القلبي بالله تعالى؛ وبرسوله صلى الله عليه وسلم، بل يتعدى ذلك إلى طلب ثمرة هذا الإيمان القلبي؛ وهو عمل الجوارح؛ مقتدين في ذلك برسول بشري -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يمتنع الناس عن فعل الصالحات؛ بدعوى أن الرسل عليهم السلام ليسوا بشرا، ولذلك وجه ربنا تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: {قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام : ٥٠] !!
ونستمر -بعون الله تعالى وتوفيقه- في بيان مزيد من الأدلة القرآنية على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، من ذلك:
قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى : ٥٢]، وهذا دليل على بشريته صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان شأنه -صلى الله عليه وسلم- شأن سائر البشر؛ لا يدرون ما الكتاب ولا الإيمان، إلى أن اصطفاه الله تعالى بالوحي من بين الناس !!
وكذلك قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود : ٤٩]، وهذا دليل على بشريته صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان شأنه -صلى الله عليه وسلم- شأن سائر البشر؛ لا يعلمون الغيب، إلى أن اصطفاه الله تعالى بالوحي من بين الناس؛ وأطلعه على ما شاء سبحانه من علم الغيب؛ كقصة نوح عليه السلام؛ التي جاءت آية سورة هود تعقيبا عليها !!
وأخيرا: وفق الله تعالى وبينت في حلقة سابقة من هذه السلسلة واقع دين النصارى؛ وما هم فيه من ضلال؛ حين رفعوا عيسى عليه السلام من بشريته؛ إلى أن يكون إلها يُعبد مع الله تعالى؛ وليس رسولا بشرا يتأسون به؛ ممّا أكد على عظيم حكمة الله تعالى وجلال علمه في جعل رسله إلى الناس بشرا !!
وأبين في هذا المقال -بعد توفيق الله تعالى- ضلال اليهود حينما زعموا أن عزيرا ابن الله -تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا- فضيعوا بذلك موضوع التأسي برسول من البشر، وتلاشت القيم التي أنزلها الله تعالى على أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام؛ والعمل الصالح المبني عليها؛ وما فيها من صلاح دنياهم وآخرتهم .. ولذا جاء في القرآن الكريم ما يبين ضلالهم في ذلك؛ علّهم يصححوا معتقدهم؛ بالاستسلام لله تعالى، والتأسي بسيد الأولين والآخرين؛ محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [التوبة : ٣٠] !!
فالحمدلله على نعمة الإسلام، وصلى الله وسلم على سيد ولد آدم؛ من آتاه الله تعالى الكتاب والحكمة، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأمرنا بالتأسي به، قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب : ٢١] !!
في منهج الله تعالى تتجلى بشرية الإنسان في أجمل وأفضل وأرقى صورها !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!