الحلقة السادسة والعشرون من سلسلة الجنة والكعبة .. وتذكير الحجر الأسود لنا بالجنة -كونه منها- مرات عديدة يوميا؛ كلما اتجهنا إلى القبلة؛ في صلاة وغيرها مما شرع لنا ربنا استقبال القبلة له !!
قال الله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف: ١٩]، قال أهل التفسير: “ولكل فريق من أهل الخير وأهل الشر منازل عند الله يوم القيامة؛ بأعمالهم التي عملوها في الدنيا، كل على وَفْق مرتبته؛ وليوفيهم الله جزاء أعمالهم، وهم لا يُظلمون بزيادة في سيئاتهم، ولا بنقص من حسناتهم” !!
مؤمنون يسابقون إلى نيل الدرجات العُلى في الجنة، وآخرون متمردون على الله تعالى؛ وكأنهم في سباق إلى دركات الجحيم، قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}، وأكتفي في هذا المقال بالحديث عن سباق المؤمنين !!
يعي أكثر الناس معنى التفوق في الدنيا، ويسعون جاهدين لبلوغ المراتب العليا فيها، ويطمح كل إنسان أن يكون الأول؛ إمّا في دراسته، أو في السباق للفوز بوظيفته، أو حتى في مجالات الرياضة المختلفة .. وهذا أمر جِبِلِّي طيب ومحمود !!
كما تستمر ثمرات التفوق اليانعة تغدق على المتفوقين في هذه الدنيا؛ وافر الذكر والأجر والمكانة والرفعة !!
غير أن المؤمن الصادق قد زاد وعظُم في حسه ومشاعره سباق من نوع آخر -يقع أيضا في هذه الدنيا- وهو السباق إلى الدرجات العُلَى في الجنة؛ الذي يحسب له المؤمن ألف حساب !! كيف وقد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ} [طه: ٧٥]، وبينه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم فقال: (إنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ) [رواه البخاري (٢٧٩٠)]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أهلَ الجنةِ لَيتراءَون أهلَ الغُرَفِ من فوقِهم، كما تُراءون الكوكبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ في الأُفُقِ من المشرقِ أو المغربِ لتفاضُلَ ما بينهم) [متفق عليه] ؟؟! فيالله ما أعظم درجات الجنة !!
ولذا شمّر الصادقون عن سواعدهم في رغبتهم للفوز بالدرجات العُلى من الجنة، وصار الهدف لنيلها صوب أعينهم، والقول والعمل الصالح طريقهم في التنافس عليها، قال تعالى: {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦]، وقد كان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يلهج بالدعاء قائلا: (وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ)[صححه الحاكم في المستدرك (١٩٣٥)] !!
وحتى سباقات الدنيا -الدراسية منها، والوظيفية، وغير ذلك- أحالها الصادقون -باحتسابها لله تعالى- إلى أعمال صالحة يؤجرون عليها، وترفعهم درجات في الآخرة !!
أخيرا: وعلى عكس سباقات الدنيا كلها -التي يُحدد لها زمان ومكان وقوعها- جعل الكريم الجواد سبحانه العمر كله، والأرض كلها مجالا للتنافس على الدرجات العُلى في الجنة -قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[الملك: ٢]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ١٦٢]، وقال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩]- ليبقى الأمل متجددا في نفوس عباد الرحمن؛ للفوز بأعلى الدرجات في جنات النعيم، حتى مع تقصيرهم وتعثرهم خلال سيرهم إلى الله تعالى !!
هذا فضلا عن الحياة الطيبة؛ التي وعد الله تعالى بها سالكي طريق هذا السباق العظيم في هذه الدنيا، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧] !!
اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!